للسلطان الملك الناصر صلاح الدين رحمهالله ، وتمكن منه غاية التمكن ، وبرز فى صناعة الإنشاء ، وفاق المتقدمين ، وله فيه الغرائب مع الإكثار.
أخبرنى أحد الفضلاء الثقات ، المطلعين على حقيقه أمره ، أن مسودات رسائله فى المجلدات ، والتعليقات فى الأوراق ، إذا جمعت ، ما تقصر عن مائة مجلد ، وهو مجيد فى أكثرها.
قال العماد الكاتب الأصبهانى فى كتاب الخريدة فى حقه : رب القلم والبيان واللسن واللسان ، والقريحة الوقادة ، والبصيرة النقادة ، والبديهة المعجزة ، والبديعة المطرزة ، والفضل الذى ما سمع فى الأوائل بمن لو عاش فى زمانه لتغلق بغباره ، أو جرى فى مضماره. فهو كالشريعة المحمدية التى نسخت الشرائع ورسخت بها الصنائع ، يخترع الأفكار ، ويفترع الأبكار ، ويطلع الأنوار ، ويبدع الأزهار ، وهو ضابط الملك بآرائه ، ورابط السلك بآلائه ، إن شاء أنشأ فى يوم واحد ، بل فى ساعة واحدة ، ما لو دون ، لكان لأهل الصناعة خير بضاعة ، أين قس عند فصاحته ، وأين قيس فى مقام حصافته ، ومن حاتم وعمرو فى سماحته وحماسته؟.
وأطال القول فى تقريظه. ونذكر له رسالة لطيفة كتبها على يد خطيب عيذاب إلى صلاح الدين ، يتشفع له فى توليته خطابة الكرك ، وهى : أدام الله سلطان الملك الناصر وثبته ، وتقبل عمله بقبول صالح وأثبته ، وأخذ عدوه قائلا أو بيته ، وأرغم أنفه بسيفه وكبته ، خدمة المملوك هذه ، واردة على يد خطيب عيذاب ، ولما نبا به المنزل عنها ، وقل عليه الموفق فيها ، وسمع بهذه الفتوحات التى طبق الأرض ذكرها. ووجب على أهلها شكرها هاجر من هجير عيذاب ، وملحها ، ساريا فى ليلة أمل كلها نهار ، ولا يسأل عن صبحها ، وقد رغب فى خطابة الكرك ، وهو خطيب ، وتوسل بالمملوك فى هذا الملتمس وهو قريب ، ونزع من مصر إلى الشام ، ومن عيذاب إلى الكرك ، وهذا عجيب. والفقر سائق عنيف ، والمذكور عائل ضعيف ، ولطف الله بالخلق بوجود مولانا لطيف ، والسلام.
وله من جملة رسالة فى صفة قلعة شاهقة ، ولقد أبدع فيها. ويقال إنها قلعة كوكب : وهذه القلعة عقاب فى عقاب ، ونجم فى سحاب ، وهامة لها الغمامة عمامة ، وأنملة إذا خضبها الأصيل كان لها الهلال قلامة. وملحه ونوادره كثيرة.
وقوله : كان الهلال لها قلامة ، أخذه من قول عبد الله بن المعتز من جملة أبياته فى