«وكلوا بالمعروف» فاستباح أخذ الأجرة على دخول البيت ، ولا خلاف بين الأئمة فى تحريم ذلك وأنه من أشنع البدع وأقبح الفواحش وهذه اللفظة إن صحت فيستدل بها على إقامة الحرمة ؛ لأن أخذ الأجر ليس من المعروف ، إنما الإشارة والله أعلم إلى ما يتصدق به من البر والصلة على وجه التبرع فلهم أخذه وذلك أكل المعروف لا محالة أو إلى ما يأخذوه من بيت المال على ما يتولونه من خدمته والقيام بمصالحه فلا يحل إلا قدر ما يستحقونه والله أعلم ، انتهى كلام المحب الطبرى. واستفيد منه حرمة أخذ الأجرة على إدخال البيت وأما أخذ شىء من قناديله أو صفائحه أو معلقاته فهى أظهر مما يخفى كما يعلم ذلك مما قدمناه عن السبكى ، وقد تقدم أن مال الكعبة يسمى الأورق وأنه ما خالط مالا إلا محقه وأنه يشدد الموت على من يأكل منه شيئا وقد رأيت فى تاريخ القطبى أن المعتصم العباسى أهدى الكعبة قفلا لباب الكعبة فيه ألف مثقال ذهبا وكان والى مكة يومئذ صالح بن العباس ، وأنه أمر الحجبة بقبض القفل فأبوا أن يأخذوه منه وأراد أن يأخذ القفل الأول ويرسله إلى الخليفة فأبوا أن يعطوه ، وتوجهوا إلى بغداد وتكلموا مع المعتصم فترك قفل الكعبة عليها وأعطاهم القفل الذى كان بعثه إليها فاقتسموه بينهم ، انتهى. ولم يعترضه ، ومقتضى كلام السبكى السابق أن ما يهدى للكعبة يصير محبسا عليهم فلا يجوز للحجبة أخذه ولا للمهدى صرفه بعد أن حبسه لغيرها ، فكيف أعطى المعتصم القفل المذكور للحجبة؟ وكيف ساغ لهم أخذه؟ وكيف أراد أيضا أن يأخذ القفل الأول الذى على الكعبة مع حرمة أخذه له؟ وهل أنكره علماء عصره؟ فتأمل. وأعجب من ذلك أن القطبى ذكر أنه أدرك فى أيام صباه أن بعض شيوخ الكعبة كان يتهم بسرقة قناديل الكعبة ، وأن نجارا أخبره بأنه عمل لأحدهم محطا مركبا من الخشب مربعا من عدة أعواد طوال كل واحد منها نحو ذراع تركب فتطول ثم تفك وتحمل فى الكم ، فإذا دخل الشيخ يوم فتح الكعبة ابتداء ودخل وحده كما هو عادة المشايخ ، وركب ذلك المحط وركب قنديلا وفك تلك الأعواد ووضع ذلك القنديل فى كمه الواسع ، ثم أذن بالدخول إلى البيت الشريف قال وما كان يحمله على ذلك غير فقره واحتياجه تجاوز الله عنه.