وأما الجواب عن أخذ الأجرة على إدخال البيت فبيانه يحتاج إلى بيان سدانة البيت وهى خدمته وتولى أمره وفتح بابه وإغلاقه ، وكانت قبل قريش لطسم بن عاد فاستخفوا بحقه واستحلوا حرمته فأهلكهم الله ، ثم وليت بعدهم جرهم زمنا طويلا حتى صار الأمر إلى ابن غبشان فباع مفتاح البيت من قصى بن كلاب جد النبى صلىاللهعليهوسلم بزق خمر ، فقيل فى ذلك : أخسر من صفقة أبى غبشان ، فذهبت مثلا ، وصارت حجابة الكعبة من بعد خزاعة لقصى وانتهى إليه أمر مكة بعد ذلك ، فأعطى ولده عبد الدار السدانة وهى الحجابة ، وأعطى عبد مناف السكاية والرفادة ثم جعل عبد الدار الحجابة إلى ولده عثمان ، ولم تزل تنقل فى أولاده إلى أن انتهت إلى عثمان بن طلحة ، ثم إلى ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وهى فى ولده إلى الآن ، ويروى عن عثمان بن طلحة أنه قال : فتحنا الباب يوما فى الجاهلية فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليدخل مع الناس ، فتكلمت بشىء فحلم عنى ثم قال : يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت فقلت : لقد هلكت قريش يومئذ وذلت ، فقال : بل عزت ، ودخل البيت ووقعت كلمته منى موقعا ظننت أن الأمر بيده سيصير إلى ـ قال فأردت الإسلام فخشيت من قومى فقدمت المدينة فبايعته وأقمت معه حتى خرج فى غزوة الفتح ، فلما دخل مكة قال : يا عثمان ائت بالمفتاح ، فأتيته به ، فأخذه منى ثم دفعه إلى وقال : خذوه يا بنى طلحة خالدة إلى يوم القيامة لا ينزعها منكم إلا ظالم ، وفى ذلك نزل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(١) وفى سنن سعيد بن منصور أنه صلىاللهعليهوسلم لما أخذ المفتاح من بنى شيبة أشفقوا أن ينزعه منهم ثم قال : يا بنى شيبة هاكم المفتاح وكلوا بالمعروف ، قال العلماء : إن هذه ولاية من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلا يجوز لأحد أن ينزعها منهم ، وأعظم من ذلك أن يشرك منهم غيرهم ، وسيأتى كلام العارف بالله تعالى ابن العربى فى مخالفته لذلك ، قال الشيخ المحب (٢) الطبرى عالم الحجاز فى القربى : لا يبعد أن يقال هذا إذا حافظوا على حرمته ولازموا الأدب فى خدمته ، أما إذا لم يحفظوا حرمته فلا تبعد أن يخطر عليهم مشرف يمنعهم من هتك حرمته ، ثم قال أيضا : وربما تعلق الجاهل المعكوس الفهم بقوله صلىاللهعليهوسلم :
__________________
(١) النساء : آية (٥٨).
(٢) القرى ص ١٢٢.