ذكر كيفية صلاة الأئمة بهذه المقامات
وبيان مواضعها من المسجد الحرام
أما كيفية الصلاة ، فإنهم فى زمننا هذا يصلون مرتبين الشافعى فى مقام الخليل عليه الصلاة والسلام ، ثم الحنفى إمام الحنفية بعده فى مقام الحنفية ، ثم إمام المالكية بعده فى كل مقام المعين له ، ثم إمام الحنابلة بعده فى مقامه ، وهذا فى الأربع فروض الفجر والظهر والعصر والعشاء ، وأما صلاة المغرب فكان فيما أدركناه قريبا يصلى الحنفى والشافعى معا فى وقت واحد ، فهل بذلك التخليط والتشويش على المصلين من الطائفتين بسبب اشتباه أصوات المبلغين ، فانتهى ذلك إلى مولانا السلطان سليمان خبر أمره بالنظر فى ذلك وإزالة هذا التخليط ، فاجتمع القضاة والأمير على بيك نائب جده فى الحطيم ، واقتضى رأيهم أن الحنفى يتقدم فى صلاة المغرب وعند التشهد يدخل إمام الشافعية ، وكان هذا فى حدود إحدى وثمانين وتسعمائة واستمر ذلك إلى وقتنا هذا عام تسعة وأربعين وتسعمائة ، فجزى الله الساعى فى ذلك خيرا ، وأما المالكى والحنبلى فلا يصلون المغرب فيما أدركناه.
وأما كيفية الصلاة فيما تقدم من الزمان فكانوا يصلون مرتين فى الأربع الفروض المتقدمة ، إلا أن المالكى كان يصلى قبل الحنفى مرة ثم يتقدم عليه الحنفى بعد التسعين بتقديم التاء على السين وتسعمائة ، ونقل الفاسى عن ابن جبير ما يقتضى أن كلا من الحنفى والحنبلى كان يصلى قبل الآخر ، وأما صلاة المغرب فكانوا يصلونها جميعا أعنى الأربعة الأئمة فى وقت واحد ، فيحصل للمصلين بسبب ذلك لبس كثير من اشتباه أصوات المبلغين واختلاف حركات المصلين ، فأنكر العلماء ذلك ، وسعى جماعة من أهل الخير عند ولى الأمر إذ ذاك وهو الناصر فرج بن برقوق الجركسى صاحب مصر ، فبرز أمره فى موسم سنة إحدى عشرة وثمانمائة بأن الإمام الشافعى بالمسجد الحرام يصلى المغرب بمفرده ، فنفذ أمره بذلك ، واستمر الحال كذلك إلى أن توفى الملك المؤيد شيخ صاحب مصر فرسم بأن الأئمة الثلاثة يصلون المغرب كما كانوا قبل ذلك ، فابتدأوا بذلك فى ليلة السادس من ذى الحجة عام سنة عشر وثمانمائة ، واستمروا يصلون كذلك.