به لأنه إنما ثبت بالآحاد ، وقد نقل الزركشى عن القرطبى أنه قال فى المفهم : وما فعله عبد الله ابن الزبير كان صوابا وقبح الله الحجاج وعبد الملك لقد جهلا سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال عبد الملك حين بلغته السنة : لو كنت سمعته قبل أن انهدمت لتركته على بناية ابن الزبير. وهو غير معذور فى ذلك فإنه كان متمكنا بالتثبت بالسؤال والبحث فلم يفعل واستعجل وقضى فالله حسبه ومجازيه على ذلك فلقد اجترأ على بيت الله وعلى أوليائه ، ولما كان الرشيد أراد أن يرد على ما بناه ابن الزبير فقال مالك : نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشأ أحد إلا نقض البيت وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس ، فترك ما هم به واستحسن الناس هذا من مالك وعملوا ، عليه فصار هذا كالإجماع على أنه لا يجوز التعرض له بهدم أو تغيير والله أعلم ، انتهى. ثم رأيت الأستاذ الشيخ الأكبر نفعنا الله ببركاته حسن فى الفتوحات فعل الحجاج وعبارته وقد ذكرنا فى أول هذا الكتاب ما بقى فى الحجر من البيت ، ولماذا أبقاه الله فيه ، وبينا الحكمة الإلهية فى ذلك فى رفع التحجير والتجلى الإلهى فى الباب المفتوح لمن أراد الدخول إليه وذلك هو بيت الله الصحيح ، وما بقى منه بأيدى الحجبة بنى شيبة وقع فى باطنه التحجير لأنه فى ملك محدث وهو الموجود المقيد فلا بد أن يفعل ما تعطيه ذاته والحديث النبوى فى ذلك مشهور والخلف والأمر أغفلوا عن مقتضى معنى قوله تعالى حين أمسك صلىاللهعليهوسلم مفتاح البيت الذى أخذه من بنى شيبة فأنزل الله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(١) فتخيل الناس أن الأمانة هى سدانة البيت ولم تكن الأمانة إلا مفتاح البيت الذى هو ملك لبنى شيبة فرد عليهم مفتاحهم ، وأبقى صلىاللهعليهوسلم عليهم ولاية السدانة ، ولو شاء جعل فى تلك المرتبة غيرهم وللإمام أن يفعل ذلك إذا رأى فى فعله المصلحة ، لكن الخلفاء لم يريدوا أن يؤخروا عن هذه المرتبة من قرن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها ، فهو مثل سائر ولاة المناصب إن عدلوا فيها الحق فلهم وإن جاروا فعليهم ، وللإمام النظر فبقى بيت الله عند العلماء بالله لا حكم لبنى شيبة ولا لغيرهم فيه وهو ما بقى فى الحجر فمن دخله دخل البيت ومن صلى فيه صلى فى البيت كذا قاله صلىاللهعليهوسلم لعائشة أم المؤمنين ، ولا يحتاج العارفون لمنة بنى شيبة فإن الله قد كفاهم بما أخرج لهم منه فى الحجر فجناب الله أوسع أن يكون عليه سدنة من خلقه ولا سيما من نفوس جبلت على الشح وحب الرياسة والتقدم ، ولقد وفق الله الحجاج لرد
__________________
(١) النساء آية : ٥٨.