نعم ، فقال : إذا رأيت بيوت مكة قد علت أخشابها كذا وفجرت بطونها أنهارا فقد أزف الأمر أى قرب ، وذكر ابن عباس بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس لما بنا داره التى بمكة على الصيارفة حيال المسجد الحرام أمر القوم أن لا يرفعوا بناءها فيشرفوا به على الكعبة إعظاما لها ، وأن الدور التى كانت تشرف على الكعبة هدمت وخربت إلا دار العباس هذه فإنها على حالها إلى اليوم انتهى ، قال بعض المتأخرين : إذا كانت العلة فى عدم العلو والإشراف هى الإعظام فارتفاع البيوت الموجودة الآن المحيطة بالمسجد يؤذن بقوله ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وبالجملة فالتطاول فى البناء من علامات الساعة على حد قوله صلىاللهعليهوسلم : وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون فى البنيان ؛ لأن المراد الإخبار بتغير الأحوال وتبدلها كما قاله الإشبيلى ، وفيه دليل على كراهية ما لا تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده ، ومات صلىاللهعليهوسلم ولم يشيد بناء ولا طوله انتهى.
وأما الجواب عن قوله : وهل للمسجد الشريف المحيط بالكعبة حد معين زمن الخليل صلىاللهعليهوسلم؟
فهو ما أخرجه (١) الأزرقى بسنده إلى أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال : إنا لنجد فى كتاب الله تعالى أن حد المسجد الحرام من الحزورة إلى المسعى ، وأخرج أيضا بسنده إلى عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال : أساس المسجد الحرام الذى وضعه إبراهيم عليهالسلام من الحزورة إلى المسعى إلى مخرج سيل أجهاد ثم قال : والمهدى وضع المسجد على المسعى انتهى. أى فالمهدى خرج عن أساس إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، وعندى فى هذا الكلام شبهة وذلك لأن مقتضاه أن الخليل بنى أساسا للمسجد ، وأنه كان محوطا على هذا الأساس وهذا لا يشهد له شىء ، كيف والدور كانت له حول المطاف؟ وأقر النبى صلىاللهعليهوسلم والخلفاء ذلك ولم يأمروا أحدا بهدم داره لكونها فى المسجد ، وسيدنا عمر إنما جعل العلة فى هدم الدور التى زادها فى المسجد أنها بنيت فى فناء الكعبة ولم يقل فى المسجد فقط ، والذى أدركه صلىاللهعليهوسلم أن المسجد هو المطاف إلى زمن عمر رضى الله عنه فزاده كما يأتى.
__________________
(١) أخبار مكة ١ / ١٢٠.