وأما الجواب عن قوله وهل كان عند البيت الشريف ومكة بيوت مبنية زمن الخليل إلى آخره؟
فهو أن المنقول أن الكعبة الشريفة لما بناها سيدنا إبراهيم صلىاللهعليهوسلم لم يكن حولها دار ولا جدار ، استمرت كذلك فى أيام العمالقة وجرهم وخزاعة لا يقدم أحد منهم على أن يبنى دارا ولا جدارا احتراما للكعبة الشريفة ، فإن موضع البيت كان قبل الخليل قد درس وهو ربوة حمراء مروة يشرف على ما حوله ، وكانت مكه عضاه وسلما وسمرا والعماليق يومئذ حول الحرم ، وهم أول من نزل مكة أو كانوا بعرفة ، فلما أنزل إبراهيم هاجر وولدها إسماعيل صلىاللهعليهوسلم بالحجر أمرها أن تتخذ عريشا فجعلت عريشا بموضع الحجر من سمر ولمام ألقته عليه ولم يكن بمكة يومئذ أحد ، فلما انطلق إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ووقف على كداء فنظر فلم ير بناء يحول بينه وبين ابنه ، فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة ، ثم إن غلامين من العمالقة الذين كانوا بعرفة لما نظروا للماء والعريش نزلا وكلما هاجر وسألاها متى نزلت؟ فأخبرتهما ، فرجعا إلى أهليهما فأخبراهم فتحولوا حتى نزلوا معهما على الماء ، ثم إن جرهما وقطورا قدموا مكة فرأوا فيها ماء معينا وشجرا ملتفا وبناء كثيرا ، فأخرجت جرهم العماليق من مكة وتزوج منهم سيدنا إسماعيل صلىاللهعليهوسلم كذا فى سيرة الشامى وغيره ، ومقتضى ذلك أن جرهم وجدت بمكة عند إسماعيل صلىاللهعليهوسلم دورا مبنية لقوله : وبناء كثيرا ، لكن ليس هذا أيضا فى أن البناء كان حول البيت الشريف بل بمكة ، ومع هذا فلا يناسبه ما يأتى من أنهم كانوا يحترمون أن يبنوا بمكة شيئا ، وأما حديث ابن عباس رضى الله عنهما عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال : فألفت ذلك أم إسماعيل وهى تحب الأنس ، فزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى كان بها أهل أبيات كثيرة منهم وشب الغلام إلى آخره ، فقوله : أبيات كثير ، ليس صريحا فى أنها بالبناء جاز أن يكون عرائش كعريشتها ، أو أن ذلك بيوت شعر على عادة العرب ، ويؤيد ذلك أن المنقول أن قصى أحد أجداد النبى صلىاللهعليهوسلم لما ولى أمر الكعبة المشرفة واشترى مفتاحها بزق خمر وسار فى الأمثال أخسر من صفقة أبى غبشان ، وصار له ملك مكة ، واجتمع قومه عليه وملكوه عليهم وانتزعها من خزاعة وأخرجهم منها ، وكان العرب يحترمون أن يسكنوا مكة