ويعظمونها عن أن يبنوا بها بيتا مع بيت الله تعالى ، فكانوا يكمنون بها نهارا فإذا أمسوا خرجوا إلى الحل ولا يستحلون الجنابة بمكة ، فلما جمع قصى قومه إليه أذن لهم أن يبنوا بمكة بيوتا وأن يسكنوها ، وقال لهم : إنكم إن سكنتم الحرم حول البيت هابتكم العرب ولم تستحل قتالكم ولا يستطيع أحد إخراجكم ، فقالوا له : أنت سيدنا ورأينا تبع لرأيك فجمعهم حول البيت وفى ذلك يقول القائل :
أبوكم قصى كان يدعى مجمعا |
|
به جمع الله القبائل من فهر |
وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم |
|
به زيدت البطحاء فخرا على فخر |
وابتدأ هو فبنى دار الندوة من الجانب الشامى ، ويقال أنها محل مقام الحنفية الذى يصلى فيه الإمام الحنفى الصلوات الخمس ، فهى أول دار بنيت بمكة بناها قصى وجعل بابها إلى مسجد الكعبة ، ودخلت كلها فى المسجد الحرام على دفعات ، وذكر الزبير بن بطار عن أبى سفيان بن أبى وداعة السهمى أن سعد بن عمر بن هصيص السهمى أول من بنى بمكة وأنشد لأبى سفيان فى ذلك شعرا يدل عليه وهو قوله :
وأول من بوأ بمكة بيته |
|
وسور فيها ساكنا بابان |
ولم يذكر أنه جعل بابه إلى مسجد الكعبة والله أعلم ، كذا فى تاريخ الفاسى ، والندوة فى اللغة الاجتماع ، وكانوا يجتمعون فيها للمشورة وغيرها من المهمات فلا تنكح امرأة ولا يتزوج رجل من قريش إلا فيها ، ولا يدخلها أحد من غير أولاد قصى إلا إذا كان ابن أربعين سنة ، ثم قسم جهات البيت الشريف بين طوائف قريش ، فبنوا دورهم حول البيت الشريف من جهاته الأربع وتركوا للطواف بالبيت مقدارا يقال أنه المفروش الآن حول البيت الشريف بالحجر المنحوت المسمى بالمطاف الشريف ، وشرعوا أبواب بيوتهم إلى نحو البيت وتركوا ما بين كل بيتين طريقا ينفذ منه إلى المطاف ، قال النووى والماوردى فى الأحكام السلطانية : أما المسجد الحرام فكان فناء حول الكعبة وفضاء للطائفين ولم يكن له على عهد النبى صلىاللهعليهوسلم وأبى بكر رضى الله عنه جدر تحيط به ، ثم لما كثرت الدور