بالاستيعاب ، وذكره ابن حبان فى أتباع التابعين وذكره ابن مندة أنه تابعى ، والله أعلم وفى شراء عمر ومن ذكرنا من الصحابة رضى الله عنهم دلالة واضحة على أن مكة مملوكة لأهلها ، إما لمنّ النبى صلىاللهعليهوسلم بها على أهلها كما هو أحد القولين عند القائلين بأنها فتحت عنوة ، أو لأنها فتحت صلحا ، والوجه الأول أصوب ؛ لأن فتحها صلحا يخالف ظاهر الأحاديث الواردة فى صفة فتح مكة ويخالف قول جمهور العلماء رضى الله عنهم فى أنها فتحت عنوة والله أعلم بالصواب ، ونقل ابن الحاج المالكى فى منسكه عن مالك وغيره من العلماء (١) إباحة بيع رباع مكة وكراء منازلها ولم يحك عن مالك فى ذلك خلافا ، واستدل على ترجيح ذلك ببعض ما سبق من شراء عمر دار السجن بمكة وغير ذلك ، وقال ابن عطية المالكى المفسر فى تفسير قوله تعالى : (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ)(٢) وقال جمهور من الأئمة منهم مالك : ليست الدور كالمسجد ولأهلها الامتناع بها والاستبداد ، وهذا هو العمل اليوم انتهى. وهذا يشعر بترجيح هذا القول فى المذهب ؛ لأنه لم ينقل عن مالك سواه ، ومثل ذلك ما ذكره ابن الحاج والله أعلم ، وقد استدل هو وابن عطية على ترجيح هذه المقالة ببعض ما ذكرناه وغير ذلك ، ونقل القاضى عز الدين بن جماعة فى منسكه عن القاضى سند بن عثمان المالكى صاحب الطراز ما يقتضى ترجيح المنع فى الكراء ؛ لأنه قال : ونقل سند فى الطراز أن مذهب مالك المنع ، وفيه إن قصد بالكراء الآلات والأخشاب جاز ، وإن قصد البقعة فلا خير فيه انتهى. وحيث جاز بيع دور مكة فيجوز فيها الكراء والهبة والوقف والشفعة والقسمة وغير ذلك من الأحكام التى تجوز فى الأملاك ، فإن قيل يعارض ذلك بالنسبة إلى الشفعة فيها قول مالك رحمهالله فى المدونة ولا شفعة فى أرض العنوة ولا يجوز بيعها انتهى. لأن هذا يقتضى أن يكون هو الحكم فى مكة لأنها عنده فتحت عنوة.
فالجواب أن مكة وإن كانت فتحت عنوة فقد من النبى صلىاللهعليهوسلم بها على أهلها كما هو الراجح فى ذلك ففارقت بذلك غيرها من البلاد ، وتفارق مكة أيضا
__________________
(١) انظر شفاء الغرام ١ / ٢٦.
(٢) سورة الحج : آية (٢٥)