جواز بيع دور مكة وإجارتها ؛ لأنها عنده فتحت صلحا ، وقال بعضهم عنه : فتحت بأمان والأمان فى معنى الصلح إلا أن القاضى أبا الحسن المعروف بالماوردى من أئمة الشافعية قال فى كتابه الحاوى الكبير : عندى إن أسفلها دخله خالد بن الوليد رضى الله عنه عنوة وأعلاه فتح صلحا انتهى. قال الشيخ محى الدين النووى فى الروضة : والصحيح الأول انتهى. وفى صحته نظر ؛ لأن الفتح صلحا إنما يكون بالتزام أهل البلد المفتتحة ترك القتال ، ولم يلتزم ذلك أهل مكة عند فتحها ولم يقبلوا تأمين النبى صلىاللهعليهوسلم لهم ؛ لأنا روينا فى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن رباح الأنصارى عن أبى هريرة رضى الله عنه فذكر حديثا فى فتح مكة قال فيه : ووبشت قريش أو باشها واتباعا فقالوا : نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذى سئلنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى ، ثم قال : حتى توافونى بالصفا ، قال : فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله ، وما أحد منهم توجه إلينا شيئا ، قال : فجاء أبو سفيان فقال : يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم ، ثم قال فىّ : من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ، انتهى باختصار. وفى هذا دلالة صريحة على ما ذكرناه من عدم إلزام قريش ترك قتال المسلمين يوم فتح مكة وعلى وقوع القتال منهم فيه ، وذلك ينافى الصلح وفيه دليل على فتح مكة عنوة ، وقوله فى هذا الحديث : أعطينا الذى سئلنا ، إشارة إلى تفضيل النبى صلىاللهعليهوسلم على أهل مكة بتأمين من ترك القتال منهم لأنا روينا فى مغازي (١) موسى بن عقبة أن أبا سفيان بن حرب وحكيم بن حزام قالا للنبى صلىاللهعليهوسلم بعد أن أسلما بمر الظهران : يا رسول الله ادع الناس إلى الأمان ، أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم يا رسول الله؟ قال صلىاللهعليهوسلم : نعم من كف يده وأغلق باب داره فهو آمن ، قالوا : فابعثنا نؤذن فيهم بذلك ، قال : انطلقوا فمن دخل دارك يا أبا سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفل مكة. وروينا نحو ذلك فى سيرة ابن إسحاق إلا أنه لم يذكر تأمين النبى صلىاللهعليهوسلم لمن دخل دار حكيم ، وذكر تأمينه لمن دخل المسجد إلا رجالا ونساء استثناهم النبى صلىاللهعليهوسلم من الأمان لجرائم لهم اقتضت ذلك ، وذكر أن أبا سفيان أبلغ هذا التأمين أهل مكة ، وذكر الفاكهى أن العباس بن عبد المطلب
__________________
(١) الكتاب مفقود.