ببركاته ، وحيث ذكرنا تقدم فلنكمل باقى المبحث فى تحقيق ذلك فنقول : وذكر فى المواهب أن العلماء اختلفوا فى إباحة لحوم الخيل ، فمذهب الشافعى والجمهور من السلف والخلف أنه مباح لا كراهة فيه ، وبه قال عبد الله بن الزبير وأنس بن مالك وأسماء بنت أبى بكر.
وفى صحيح (١) مسلم عنها قال : نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأكلناه ونحن بالمدينة ، وفى رواية الدارقطنى فأكلنا نحن وأهل بيت النبى صلىاللهعليهوسلم ، قال الحافظ فى فتح البارى : ويستفاد من قولها : «ونحن بالمدينة» أن ذلك بعد فرض الجهاد فيرد على من استند إلى منع أكلها لعلة أنها من آلات الجهاد ، ومن قولها : «وأهل بيت النبى صلىاللهعليهوسلم» الرد على من زعم أنه ليس فيه أن النبى صلىاللهعليهوسلم اطلع على ذلك مع أن ذلك لو لم يرد لم يظن بآل أبى بكر أنهم يقدمون على فعل شىء فى زمنه صلىاللهعليهوسلم إلا وعندهم العلم بجوازه ؛ لشدة اختلاطهم به عليه الصلاة والسلام عن الأحكام ، ومن ثم كان الراجح أن الصحابى إذا قال : كنا نفعل كذا على عهده عليه الصلاة والسلام كان له حكم الرفع ؛ لأن الظاهر اطلاعه صلىاللهعليهوسلم على ذلك وتقريره ، وإذا كان ذلك فى مطلق الصحابة فكيف بآل أبى بكر ، وقال الطحاوى : ذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل وخالفه صاحباه وغيرهما واحتجوا بالأخبار المتواترة فى حلها انتهى. وقد نقل بعض التابعين الحل عن الصحابة مطلقا من غير استثناء أحد ، فأخرج ابن أبى شيبة بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عطاء قال لم يزل سلفك يأكلونه ، قال ابن جريج : قلت : له أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ ، فقال : نعم ، وأما ما نقل فى ذلك عن ابن عباس من كراهتها فأخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق بسندين ضعيفين ، وقال أبو حنيفة فى الجامع الصغير أكره لحوم الخيل ، فحمله أبو بكر الرازى على التنزيه ، وقال : لم يطلق أبو حنيفة فيه التحريم وليس هو عنده كالحمار الأهلى وصحح أصحاب المحيط والهداية الذ خيره عنهم التحريم وهو قول أكثرهم ، وقال القرطبى فى شرح مسلم مذهب مالك الكراهة ، وقال الفاكهانى : المشهور عند المالكية الكراهة والصحيح عند المحققين منهم التحريم ، وقال ابن أبى حمزة الدليل على الجواز مطلقا واضح لكن سبب كراهة مالك
__________________
(١) فى كتاب الجهاد ٤ / ١٥٠.