لأكلها لكونها تستعمل غالبا فى الجهاد فلو انتفت الكراهة لكثر استعماله ، ولو كثر لأفضى إلى فنائها فيولى إلى النقص من إرهاب العدو الذى وفع الأمر به فى قوله : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ)(١) فعلى هذا فالكراهة لسبب خارج ، وليس البحث فيه ، فإن الحيوان المتفق على إباحته لو حدث أمر يقتضى أن لو ذبح لأفضى إلى ارتكاب محذور لامتنع ، ولا يلزم منه ذلك القول بتحريمه. انتهى وأما قول بعض المانعين لو كانت حلالا لجازت الأضحية بها فمنتقض بحيوان البحر ، فإنه مأكول ولم تشرع الأضحية به. وأما حديث خالد بن الوليد عند أبى داود والنسائى «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن لحوم الخيل والبغال والحمير» فضعيف ولو سلم ثبوته لا ينهض معارضا لحديث جابر الدال على الجواز وقد وافقه حديث أسماء ، وقد ضعّف حديث خالد بن الوليد أحمد والبخارى والدارقطنى والخطابى وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون وزعم بعضهم أن حديث جابر دال على التحريم لقوله رخص لأن الرخصة استباحة المحظور مع قيام المانع ، فدل على أنه رخص لهم بسبب المخمصة التى أصابتهم بخيبر ، فلا يدل على الحل المطلق. وأجيب بأن أكثر الروايات جاء بلفظ الإذن كما رواه مسلم وفى رواية له أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش ونهانا النبى صلىاللهعليهوسلم عن الحمار الأهلى وعند الدارقطنى من حديث ابن عباس نهانا صلىاللهعليهوسلم عن الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل فدل على أن المراد بقوله رخص إذن ونوقض أيضا بالإذن فى أكل الخيل ولو كان رخصة لأجل المخمصة لكانت الحمر الأهلية أولى بذلك لكثرتها وعزة الخيل حينئذ فدل على أن الإذن فى أكل الخيل إنما كانت للإباحة الخاصة لا لخصوص الضرورة.
وقد نقل عن مالك وغيره من القائلين بالتحريم أنهم احتجوا للمنع بقوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً)(٢) وقرروا ذلك بأوجه : أحدها أن اللام للتعليل ، فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك ، لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها يقتضى خلاف ظاهر الآية ، ثانيها : عطف البغال والحمير فدل على اشتراكها معهما فى حكم التحريم فيحتاج حكم من أفرد حكم ما عطفت عليها إلى دليل ، ثالثها : أن الآية سبقت مساحة الامتنان فلو كان ينتفع بها فى الأكل لكان الامتنان به أعظم والحكيم لا يمتن بأدنى النعم
__________________
(١) الأنفال : (٦٠).
(٢) النحل : (٨).