وحدثته نفسه بالتغلب عليه. فلما رأى الناس ذلك منه كثرت جموعه وزادت عما كانت عليه وقوي أمره (١٩٩) بالجزيرة وأتاه نفر من شيعة الطالبيين فقالوا : قد وترت (١) بني العباس وقتلت رجالهم ، وأعلقت عنهم العرب فلو بايعت لخليفة كان أقوى لأمرك فقال : من أي الناس؟ قالوا : نبايع لبعض آل علي بن أبي طالب فقال : أبايع أولاد السوداوات ، فيقول إنه خلقني ورزقني. قالوا : فنبايع لبعض بني أمية فقال : أولئك قد أدبر أمرهم والمدبر لا يقبل أبدا ، ولو سلّم عليّ رجل مدبر لأعداني بإدباره ، وإنما هواي في بني العباس ، وإنما حاربتهم محاماة عن العرب لأنهم يقدّمون عليهم العجم.
قوي أمر نصر فأرسل عليه المأمون أحد عظام قواده طاهر بن الحسين فلقيه نصر وكسره ، فسير إليه المأمون عبد الله بن طاهر القائد العظيم ابن ذاك القائد العظيم ، فحصره في كيسوم من مدن العواصم وأخذه بعد وقائع كثيرة ، واحتوى على الشام جميعه وهدم عدة أسوار من المدن المجاورة لحلب ومنها كيسوم. وسار عبد الله بن طاهر يستقري الشام بلدا بلدا ، لا يمر ببلد إلا أخذ من رؤساء القبائل والعشائر والصعاليك اللصوص ، وهدم الحصون وحيطان المدن ، وبسط الأمان للأسود والأبيض والأحمر وضمهم جميعا ، ونظر في مصالح البلدان ، وحط عن بعضها الخراج ، فلم يبق مخالف ولا عاص إلا خرج من قلعته وحصنه ، وعاد عبد الله بن طاهر الى مدينة السلام يحمل معه المتغلبين على الشام ، أمثال ابن السرج وابن أبي الجمل وابن أبي الصقر ، ودام عصيان نصر خمس سنين.
المأمون وحكمه على قيس ويمن :
لم يطفىء الفتنة التي أثارها نصر بن شبث في الشمال والتي أثارها غيره
__________________
(١) وتر الرجل : أفزعه وأدركه بمكروه ووتره ماله : نقصه إياه وقوله : أعلقت عنهم : دفعت عنهم.