المسلمين غزوا في أيام معاوية فأسر جماعة منهم ، فأوقفوا بين يدي الملك فتكلم بعض أسارى المسلمين ، فدنا منه بعض البطارقة ممن كان واقفا بين يدي الملك فلطم حرّ وجهه فآلمه ، وكان رجلا من قريش فصاح : وا إسلاماه ، أين أنت عنا يا معاوية إذ أهملتنا ، وضيعت ثغورنا ، وحكمت العدو في ديارنا ودمائنا وأعراضنا. فنمي الخبر الى معاوية وغضب وأقام الفداء بين المسلمين والروم وفادى بذلك الرجل ، فلما صار الى دار الإسلام دعاه فبرّه وأحسن اليه. وبعث الى رجل من ساحل دمشق من مدينة صور وكان به عارفا كثير الغزوات في البحر ، صملّ (١) من الرجال مرطان بالرومية ، وأعطاه كل ما طلب ، وهيأ له مركبا وأوعز إليه أن يتظاهر بأنه يتاجر مع روم القسطنطينية ، وما زال على ذلك سنين حتى أسر الصوريّ البطريق الرومي الذي كان لطم القرشي وأتى به الى معاوية في قصة طويلة. فقال معاوية : عليّ بالرجل القرشي فأتي به وقد حضر خواص المسلمين وقال له : قم واقتص من هذا البطريق الذى لطم وجهك على بساط معظم الروم فإنا لم نضيعك ولا أبحنا دمك وعرضك ، فقام القرشي ودنا من البطريق فقال له معاوية : انظر لا تتعدّ ما جرى عليك منه. وانقلب القرشي على يدي معاوية وأطرافه يقبلها وقال : ما أضاعك من سوّدك ، ولا خاب فيك أمل من أمّلك ، أنت ملك لا تستضام ، تمنع حماك وتصون رعيتك. وأحسن معاوية الى البطريق وحمل معه هدايا الى الملك وقال له : ارجع الى ملكك وقل له : تركت ملك العرب يقيم الحدود على بساطك ، ويقتص لرعيته في دار مملكتك وسلطانك ، فقال ملك الروم : هذا أمكر الملوك وأدهى العرب. ولهذا قدمته العرب عليها فساس أمورها والله لو همّ بأخذي لتمت له الحيلة عليّ.
قواد الأمويين وأسباب انقراضهم :
نشأ للأمويين رجال عظام في الحرب والسياسة والحكم ، مثل زياد بن
__________________
(١) الصمل : كعتل الرجل الشديد الخلق العظيم. والرطانة (بالفتح ويكسر) الكلام بالعجمية ورطن له رطانة وراطنه كلمه بها وتراطنوا تكلموا بها والمرطان الذي يتكلم بالعجمية.