وأخذوا خطوطهم بأموال عظيمة وقتل خلقا منهم ، حتى قيل : إنه قتل نحو خمسة آلاف رجل ، وكتب الى ولده أبي المعالي كتابا يبشره بذلك وقال فيه : ما شاهدت عسكرا ، على كثرة مشاهدي للحرب ، استولى على جميع رؤسائه وأتباعه مثل هؤلاء ، ولا غنم عسكر مثل ما غنم منهم.
وسار ملك الروم بجيوشه الى الشام (٣٥٥) فعاث وأفسد ، وقيل : إن أهل أنطاكية راسلوه وبذلوا له الطاعة وأن يحملوا إليه مالا ، وكان الذي حركه وأحنقه إحراق بيعة القدس ، وكان البطريق كتب الى كافور صاحب مصر يشكو قصور يده عن استيفاء حقوق البيعة ، فجاءه من الناس ما لم يطق دفعه وقتل البطريق ، وأحرقت البيعة وأخذوا زينتها ، فراسل كافور ملك الروم بأن يرد البيعة الى أفضل ما كانت فقال : بل أنا أعيدها بالسيف. فلما خرج ملك الروم أصعد سيف الدولة أهل المدينة الى قلعة حلب ، وأنجفل الناس وعظم الخطب ، وأخليت نصيبين ، ونزل صاحب الروم على منبج وأحرق الربض ، وخرج إليه أهلها فأقرهم ولم يؤذهم ، وأنكت العرب في الروم غير مرة وكسبوا ما لا يوصف ، وحاصر الروم أنطاكية ثمانية أيام ليلا ونهارا ، وبذل الأمان لأهلها فأبوا فقال : أنتم كاتبتموني ووعدتموني ، فردوا عليه ردا قبيحا وحاربوه أشد حرب.
محاسن سيف الدولة ومقابحه :
توفي سيف الدولة بن حمدان سنة ٣٥٦ بعد أن غزا الروم أربعين غزوة له وعليه ، فحفظ بغزواته بيضة العرب والإسلام ، ولولاه لتقدم الروم في الشام ، وربما استصفوها كلها بعد ما ثبت من ضعف العباسيين. وكان جمع من نفض الغبار الذي يجتمع عليه في غزواته شيئا وعمله لبنة بقدر الكف ، وأوصى أن يوضع خده عليه في لحده فنفذت وصيته في ذلك. ترجمه الأزدي بقوله : «كان معجبا برأيه ، محبا للفخر والبذخ ، مفرطا في السخاء والكرم ، شديد الاحتمال لمناظريه ، والعجب بآرائه ،