عَن يَسيرٍ من الهوانِ ، وعن الكلمة اليَسيرةِ تَقعُ في حقِّكَ من إنسانٍ ، فكيفَ تكونُ إذا فضحتكَ ذُنوبكَ بَينِ أهلِ المغاربِ والمشارِق الّذينَ كنتُ تُوثِرهُم على الخالِقِ الرّازِقِ ، وتَستُر حالكَ عنهم ، وتَقدّم رضاهُم على رِضا مَولاكَ الذي هُوَ واللهِ أهَمُّ منكَ ومنهم. ثمَّ ترى نفسكَ وقد خرجَ من يديكَ رضا مولاكَ ، وما نَفَعَكَ أهلُ دُنياكَ ، وشمتَ بك حُسّادكَ ومن يُريدُ أذاك ، وصِرتَ في أسرِ الغضبِ وهول الهلاكَ. أما عَرفْتَ مقالَ مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وَهُوَ جَهينةِ الخبرِ بما تنتهي أحوالُ العبادِ إليه : « واعلَموا أنهُ ليس لهذا الجلدِ الرَّقيقِ صبر على النّارِ ، ( فارحموا نُفوسَكم فانكم قد جربتموها ) (١) في مصائِبِ الدّنيا فَرَأيتم جَزَعَ أحدكم من الشَّوكةِ تُصيبُه ، والعَثرة تدمِيه ، والرَمضاءُ تحرِقُهُ. فكيفَ إذا كان بين طابقين من نارٍ ، ضجيع حَجَرٍ وقرين شيطانٍ ؟ اما عَلِمتُم أنَّ مالِكاً إذا غَضِبَ عَلَى النّارِ حَطَمَ بَعضها بَعضاً لِغَضَبهِ ، وإذا زَجَرَها تَوَثبت بينَ أبوابها جزعاً من زَجرَتِهِ ؟ أيّها اليفنُ (٢) الكبير الّذي قَد لهزَهُ القَتيرُ (٣) ، كيف أنت إذا التَحمت أطواقُ النّيرانِ بعظامِ الأعناقِ ( ونَشبتِ ) (٤) الجوامِع حتّى أكَلت لحومَ السّواعِد »(٥).
أقول : فَهَل هذا مّما يقدر الإنسانُ على احتمالِهِ ، أو يُهَوِّن العاقل بأهوالِهِ ؟! وهَبكَ ما تصدِّقُ بِذلكَ ، أمّا تجوَّزُ تجويراً أن يكون اللهَ جَلَّ جَلالُهُ صادِقاً في وعيدِهِ ومَقالِهِ ؟! فَلأيّ حالٍ ما تَستَظهِرُ لنفسك حَتَّى تسلِمَ من عذابهِ ونكالهِ ؟!.
__________________
(١) في نسخة « ك » :وقد جربتم ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي وهي الموافقة لما في نهج البلاغة.
(٢) اليفن : الشيخ الكبير. الصحاح ـ يفن ـ ٦ : ٢٢١٩.
(٣) لهزه القتير : أي خالطه الشيب لسان العرب ـ لهز ـ ٥ : ٤٠٧.
(٤) في نسخة « ك » : وتشبثت ، واثبتنا ما في نسخة المجلسي وهي الموافقة لنهج البلاغة.
(٥) خطبة امير المؤمنين في نهج البلاغة ٢ : ١٣٥ / خطبة ١٧٨ ، ونقله المجلسي في البحار ٨ : ٣٠٦ / ٦٨.