النّيران ، لا يجابون ولا يكلّمون ، ثم يجيبهم بعد أربعين سنة فيقول جلّ جَلاله ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) (١).
قال : فعند ذلك ييأسون من كلّ فَرَج وراحةٍ ، وتُغلق أبوابُ جَهَنَّمَ عليهِم ، وتدومُ لَديهم مآتمُ الهلاكِ والشّهيق والزَّفير والصّراخ والنّياحة.
أقول : فهل هذا أو بَعضُهُ مماّ يجوز التّهوينُ به لذوي الألباب ، ولو كان الإنسان شاكاً في الحساب أما يجوز صدق الانبياء والمرسلينَ ؟ ما هذه المصيبة الهائلة الغفلة أيُّ مسكين ؟.
وكأني ببعض الغافلين يقول : هذا العذابُ لِلكافرين ، ويعتقد أنّه من المصدّقينَ الموقنين المؤمنين ، وهو يرى من نفسهِ أنّ وعُود اللهِ جلّ جلاله عنده أضعف الوُعُودِ ، وأنّه لا يسكن أليها إلاّ بشيء عنده موجودٌ. وأن وَعدَ بعض العباد أقوى في نفسه من وعد سلطان المعاد. ويرى أنّ وعيد الله جلّ جلاله أهون من كلّ وعيد ، وأنّه لو توعّده سلطان ببعض هذا التّهديد عجز عن الصّبر والسّكون ، وهجر رقاد العيون ، وتوصل في رضاه بأبلغ ما يكون.
وقد شرحنا لك فيما ذكرناه عند ركعة الوتر في الجزء الثّاني من كتاب فلاح السّائل ونجاح المسائل ، فانظُر ما هناك ، وما عمل الله جلّ جلاله معك من الإحسان ، وما عملت في الجواب من التهوين والاستخفاف بنفسك والعصيان. وهناك تعلم هل أنت من أهل الإيمان أو من أهلِ الكفران. وانظر فيما ذكرناه في ذلك المكان من الدّواء فداويه عقلك وقلبك بغاية الإمكان ، فلا بدّ لك من يوم
__________________
(١) المؤمنون ٢٣ : ١٠٨.