وانتهز محمد علي الفرصة وماطل في تنفيذ أمر السلطان ، وهنا وجد قبودان باشا مركزه حرجا ، وأن الاعتماد على الأمراء المماليك لا خير فيه وسيؤدي إلى ضياع هيبته ، فقر رأيه أن يتصل بمحمد علي الذي انتهز الفرصة فعرض العروض الباذخة وتعهد ان يؤدي ضعف ما تعهد الأمراء بتأديته لقبودان : بعضه معجل والآخر مؤجل.
واتفق قبودان مع محمد علي أن يعود الى استكتاب الزعماء كتابا آخر يرسله إليه مع ولده شخصيا. على أن يتضمن أن محمد علي حامى الإقليم وحافظ ثغوره ومؤمن سبله وقامع المعتدين وأن الكلية من الخاصة والعامة راضية بولايته وأحكامه وعدله ، وأن الشريعة مقامة في أيامه ولا يرتضون خلافه لما رأوا فيه من عدم الظلم .. الخ الفضائل والصفات التي اتفق قبودان باشا مع محمد علي ، على نسبتها إلى مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ مصر!! ..
وقد انتهت هذه المساعي كلها بإلغاء أمر النقل وتثبيت محمد علي على ولاية مصر.
وهذه هي حقيقة مطالبة المصريين بولاية محمد علي عندما عزله السلطان ، في المرة الثانية .. وهذا هو موقف الزعماء المصريين ، الذين لم يطالبوا بتثبيت محمد علي إلا بحد السيف الذي سلطه عليهم.
ولكن ماذا فعل محمد علي وأولاده بهذه الثقة الغالية؟ لقد قرر محمد علي منذ اللحظة الاولى أن يستبد بالأمر ، ويبعد الشعب وزعيمه عن الميدان ..
وأخذته الغيرة من زعيم المصريين عمر مكرم ، وأنكر منه أن يتحدث اليه عن آلام الشعب مما فرضه عليهم من الضرائب بسبب الاستعداد للحملة الوهابية .. ثم أراد أن يأخذ إمضاء السيد عمر على حساب غير مضبوط أعده ليرسله إلى الدولة .. فأبى السيد عمر مكرم ذلك قائلا :
ان الضرائب المعتادة كانت تكفي لكل ما قام به الباشا من الأعمال