كان من تلاميذ الأستاذ الإمام محمد عبده : فهو يذكره في الكتاب صراحة ، وهو ينهج في التعليم نهجه ، ويدعو الأزهريين إلى ترسم خطاه ، وثانيهما أن هذا الشاب كان فيلسوفا ناشئا ، وأن لم يكن يعلم ذلك عن نفسه ، فإنه حين تكلم في كتابه عن الكمال الروحي وعن الصوفية عالج هذه الأمور بروح فلسفية ، ولعل الفلسفة أخذت سبيلها إلى نفسه ، دون وعي ظاهر منه عن طريق أستاذه محمد عبده.
ويرجع توثق الصلة بين الأستاذ والتلميذ إلى سنة ١٩٠٢ حين تقدم الظواهري لنيل شهادة العالمية إلى لجنة الامتحان المنعقدة برياسة محمد عبده ، فأجاد في الإجابة أعجب بها الأستاذ الإمام ، فأثنى عليه على مسمع من الحاضرين ، ويقال إنه طلب له شيئا من شراب الخروب وقال له «لقد فتح الله عليك يا أحمدي ، وو الله إنك أعلم من أبيك ، ولو كان عندي أرقى من الدرجة الأولى لأعطيتك إياها». ولهذه الحادثة نفسها دلالتان : الأولى انها تشير إلى ذكاء الاحمدي الظواهري وسعة علمه اللذين اشتهر بهما منذ نشأته ، والثانية انها تشير إلى ما اتصف به الاستاذ الإمام من الإنصاف وقوة الأخلاق : فقد كان بينه وبين الشيخ ابراهيم الظواهري ـ والد الشيخ الأحمدي ـ خلاف في الرأي والمنازعات ، لأن إبراهيم الظواهري كان من الشيوخ المحافظين الميالين إلى تصديق الكرامات والاعتقاد بقصص المجاذيب والأولياء ، وكان الشيخ محمد عبده يستنكر ذلك ، لكنه لم يتأثر في حكمه على الابن بما كان بينه وبين أبيه.
وفي مكتبته ذخيرة من العلم المخطوط بيده ، هي مجموعة من مؤلفات كتبها في شبابه منها «خواص المعقولات في أصول المنطق وسائر العقليات» و «التفاضل بالفضيلة» و «الوصايا والآداب» و «صفوة الأساليب» و «حكم الحكماء» و «براءة الإسلام من أوهام العوام» و «مقادير الأخلاق» ولكن مخطوطا منها استوقفني لطرافته ، وعنوانه «الكلمة الأولى في آداب الفهم». وقد أراد به أن يكون بمثابة ضابط عقلي أو قانون كلي ، لرفع الخلاف القائم في كيفية فهم المتأخرين لأقوال المتقدمين من المؤلفين في