ما للأزهر من فضل وجميل ، وطفقوا ينعون عليه جهوده ، ويعيبون عليه جموده ، حتى هزمتهم صيحة الإصلاح من رجل الإصلاح الأول حكيم الإسلام وفقيد الشرق المغفور له الإمام محمد عبده ، فعارضها المعارضون وسخر منها الجامدون ، ولم يقدرها إلا أفراد قلائل كان من بينهم شاب ذكي وفتى نابه اقتفى أثر أستاذه الحكيم ، هو الشيخ المراغى.
وجاء من خطبة فضيلة الأستاذ الشيخ علي سرور الزنكلوني في حفلة تكريم الأستاذ المراغى عام ١٣٥٤ ـ ٣ يوليو ١٩٣٥ ما يلي : «الأزهر كما تحدث عنه التاريخ وكما تصورناه نحن حين رحلنا اليه في نعومة الأظفار ، وكما يعرفه المصريون وغير المصريين حين يخطر ببالهم ، ويحجون إليه لطلب العلم ، هو هذه الشخصية الكبرى البارزة في العالم ، والتي ينعكس منها على طلابه ورواده نور العلم وجلال الدين والتي عاشت ألف سنة إلا قليلا ، وهي تصارع الأحداث والأحداث تصارعها بما لم يقو على احتماله أضخم بناء في التاريخ ، ولو لا سر الله الخفي لتلاشى ، فهو الذي حفظه ولا يزال يحفظه ويجدد مجده إلى اليوم .. إن الأزهر كما تواضع عليه الناس هو الذي تحيا عليه علوم الإسلام والقرآن ، وهي أسمى ما تستكمل به النفس الإنسانية قواها. والأزهر بمقتضى وضعه وطبيعته يجب أن يكون خالصا لله وحده ، فإذا ألمت به الأحداث وسلطت عليه تيارات الأهواء الملتوية فلله فيه نصيب كبير : دينه ، وعلومه .. وهذا الشباب الغض من الطلاب الذين يبعثون إليه بنية صادقة ليتفقهوا في دين الله ولينذروا قومهم إذا رجهوا إليهم لعلهم يحذرون ، لله فيهم النصيب الأوفر ، والله غيور على دينه ، وعلى وحيه. وعلى هذا الشباب الغض الذي يحب الخير ولا يريد إلا الخير .. ومن هنا تدركون سر بقاء الأزهر وثباته على كثرة ما نزل به من أحداث .. ما هي مشيخة الأزهر؟ لا أريد ان أتعرض إلى مشيخة الأزهر بالنظر إلى ما ورثته عن العواصم الإسلامية من خلافة العلم والدين ، ولا إلى ما قامت به من جلائل الأعمال في عصور مصر المختلفة ومواقفها المشرفة في وجوه الظالمين ، فذلك للتاريخ وحده ، ولكني أتحدث عنها