الآن بالنظر إلى طبيعتها وإلى ما يفهمه الناس فيها قبل أن يحتكم الهوى وينتشر الفساد. إن مشيخة الأزهر الكبرى هي التي تقوم بمعونة الأساتذة والطلاب على حراسة الدين وأحياء تعاليمه ، فإذا فكر العقل تفكيرا مستقيما ولم يلتفت إلى زخارف الحياة الكاذبة ، فلا يستطيع أن يدرك الجلال الحق إلا في كنف هذه الرعاية السامية ، لأن شرف الاشياء بشرف غاياتها ، ومشيخة الأزهر تقوم على حراسة ما به تؤدى وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ووظيفة الرسل إذا أديت على غير وجهها فكلها خير وكلها سعادة ، فإذا تنكب الأزهر الطريق يوما ، فليس ذلك من طبيعة الدين الذي يقوم على حفظه ، ولا من طبيعة علومه التي هي نور العقل وقوة للإنسان ، وإنما منشأ هذا التنكب هو القوي التي تتسلط عليه وتوجهه إلى طريقها ، وإذن لا تلوموا الأزهر ما دام غير قائم على قدميه بنفسه ، وإنما اللوم على من يمتلكون أمره ويوجهونه حيث تأبى طبيعته أن تتوجه ... إن أعدل ميزان تعرفون به الفرق في كل عصر بين رجل الأزهر القائم على حراسة دين الله وبين عبد الشهوات الجامحة وأن تربع بين الأزهريين ونال أكبر مناصبهم أن ترى عزة النفس وخشية الله ماثلتين في رجل الأزهر خصوصا إذا عظمت المحنة واشتد البلاء ، أما عبد الشهوات فتراه دائما مغمورا بخشية الناس والطمع فيما بأيديهم. وقلب المؤمن الصادق في إيمانه لا يتسع لخشيتين ، فأظهر مظاهر الإيمان العميق خشية الله وحده إذا اشتد الخطب ، وأظهر مظاهر الإيمان الرقيق الذي لا يزن مثقال ذرة أن يخشى صاحبه الناس أشد من خشية الله ، وإن كثرت وتفرعت صور عبادته لأنها في ميزان الدين والعلم ليست أكثر من صور كاذبة تولدها العادة أو الرياء .. إن الحقائق لا يغيرها ولا ينقص من جلالها الذاتي ما قد يطرأ عليها من أمراض وعلل تدفعها يد الشهوة على غفلة من أهلها ، ولهذا يعاقب الله حراس الحقائق أولا فأولا ، بمقدار غفلتهم وإهمالهم ، ثم يكتب النصر لهم في النهاية إذا ما انتبهوا .. أما المبطلون المفتونون باستشراء الضعف ليتمتعوا بباطلهم فلا يعاقبهم الله أولا فأولا ، وإنما يمهلهم لتتجلى حكمة الله في قوله : «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ* وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ». إن من