التعليم فيه وعن شعوره يجب أن تحتذي ويهتدي بها. ومنذ أربعين سنة اشتد الجدل حول جواز تعليم الحساب والهندسة والتاريخ في الأزهر وحول فائدة تعليمها لعلماء الدين ومنذ أربعين سنة قرأ لنا أحد شيوخنا كتاب الهداية في الفلسفة في داره على شرط أن نكتم الأمر لئلا يتهمه الناس ويتهمونا بالزيغ والزندقة .. والآن تدرس في كلية أصول الدين الفلسفة القديمة والحديثة ، وتدرس الملل والنحل ، وتقارن الديانات ، وتعلم لغات أجنبية شرقية وغربية. ومن الحق علينا ألا ننسى في هذه المناسبة والحديث حديث الأزهر والأزهريين ذلك الكوكب الذي انبثق منه النور الذي نهتدي به في حياة الأزهر العامة ، ويهتدى به علماء الأقطار الاسلامية في فهم روح الإسلام وتعاليمه ، ذلك الرجل الذي نشر الحياة العلمية والنشاط الفكري ووضع المنهج الواضح لتفسير القرآن الكريم وعبد الطريق لتذوق سر العربية وجمالها وصاح بالناس يذكرهم بأن العظمة والمجد لا يبنيان إلا على العلم والتقوى ومكارم الأخلاق ، ذلك الرجل الذي لم تعرفه مصر إلا بعد أن فقدته ولم تقدره قدره الا بعد أن أمعن في التاريخ ، ذلك هو الأستاذ الإمام محمد عبده قدس الله روحه وطيب ثراه ، وقد مر على وفاته ثلاثون حولا كاملة ، ومن الوفاء بعد مضي هذه السنين ونحن نتحدث عن الأزهر أن نجعل لذكراه المكان الأول في هذا الحفل ، فهو مشرق النور وباعث الحياة ، وعين الماء الصافية التي نلجأ إليها إذا اشتد الظمأ ، والدوحة المباركة التي نأوي إلى ظلها إذا قوى لفح الهجير.
والأزهر كما تعلمون هو البيئة التي يدرس فيها الدين الإسلامي الذي أوجد أمما من العدم ، وخلق تحت لوائه مدنية فاضلة ، وكان له هذا الأثر الضخم في الأرض فهو يوحي بطبعه إلى شيوخه وأبنائه واجبات إنسانية ، ويشعرهم بفروض صورية ومعنوية ، يعدون مقصرين آثمين أمام الله وأمام الناس إذا هم تهاونوا في أدائها وأنهم لا يستطيعون أداء الوجب لربهم ودينهم ولمعهدهم وأنفسهم إلا إذا فهموا هذا الدين حق فهمه ، وأجادوا معرفة لغته ، وفهموا روح الاجتماع ، واستعانوا بمعارف القدامى ومعارف