جمع الله له من خير ما يحمد لعباده الصالحين ، فمنحه سلامة الفطرة ، فكان من أسلم الناس نفسا ، ومنحة سداد العقيدة فكان من أنفذ الناس بصيرة في الدين ، ومن أشدهم استمساكا به واعتصاما بهديه ، ومنحه العلم الصحيح والمعرفة الواسعة فكان من أجمع الناس لعلوم الشرق والغرب ، تمثلهما عن خبرة ودراية وإمامة ، وهو بهذا من الأمثلة الكاملة في الشرق للثقافة الإسلامية الكاملة. فإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لأبنائه وإذا أراد الأزهر مثالا أعلى لشيوخه ورؤسائه ، فإن مصطفى عبد الرازق هو المثل الذي يعز نظيره ويندر وجوده. وهل هناك أدلة على بنوته الأصيلة للأزهر من أن ثقافته الحديثة لم تحل بينه وبين أزهريته في جميع مراحل حياته ، وبقي ابنا للأزهر في روحه وعمله وفي وفائه لأصدقائه؟ وقد بالغ في التمسك بأزهريته إلى حد أنه وقد تقلد منصب الوزارة لم يستطع أن يغير زيه الأزهري وقد قبل منه ذلك على روى. وهل هناك دليل على تأصل الروح الأزهري في نفسه أظهر من هذا؟ إن الطلبة الأزهريين الآن يحاولون أن يخلعوا أزياءهم ليبرزوا في صورة أخرى زعموا أنها هي الموافقة لروح العصر ، فكيف تقول في رجل سافر إلى أوروبا وتولى من المناصب وخالط من الأشخاص والهيئات والبيئات ما كان يلح في دعائه إلى تغيير زيه فلم يجد منه ذلك كله إلا إباء وامتناعا واعتصاما بكل ما يدل على أنه ابن الأزهر؟ ومسألة الزي عندنا مسألة شكلية ، ولكني قصدت أن أشير إلى مظهر للأزهرية الأصيلة في نفس مصطفى عبد الرازق ، وهذه الأزهرية الصحيحة هي التي مكنت له أن يجمع بين ثقافة الشرق والغرب فلم يختلفا عليه ، ولم يستعص عليه أمرهما كما استعصى على غيره. وإذا تحدث متحدث عن مصطفى عبد الرازق فلن يستطيع أن يغفل الحديث عن سماحة نفسه وعطفه على المحتاجين ، وإن كان حديثه معادا ، لأن في تكرار هذا الحديث متعة لنفس المتحدث ونفوس السامعين ، يعرف هذه السماحة كل موطن من المواطن التي عاش فيها الفقيد موظفا وغير موظف ، في الجامعة وفي الأزهر ، يعرف الطلبة الذين كاد الفقر أن يحول بينهم