وبين عايتهم ، فكان مصطفى عبد الرازق هو الذي يكفيهم ، وهو الذي يفرج عنهم ـ بفضل الله عليهم وعليه ـ هذه الشدة ، وتعرفه عائلات فقيرة أخنى عليها الدهر ، فكان مصطفى عبد الرازق غوثها ومددها وعائلها ، يخفى ذلك عن الناس ، ولو استطاع لأخفاه عن نفسه ، حتى لا تعرف شماله ما تنفق يمينه.
وفي مارس عام ١٩٤٧ أيضا أقام معهد المنيا الديني حفلة تأبين للمغفور له الأستاذ الأكبر الراحل ، ألقى فيها صاحب الفضيلة الشيخ محمود أبو العيون خطبة بليغة جاء فيها : فجع الأزهر في شيخه فجاءة ، فكانت صدمة الفجيعة فيه شديدة ، صدمة روعت القلوب ، وأذهلت النفوس ، وأدهشت العقول. وقعت الواقعة في وقت كان الأزهر يستشرف بواكير أعمال شيخه الجليل وإصلاحاته التي وضع أسسها في أيامه القليلة التي قضاها بين ربوعه .. إن الشيخ مصطفى كان يحمل على أطواء قلبه النابض بالخير للأزهر والإسلام بنود العمل المجيد ، والنهضة الصالحة للجامعة الأزهرية بما يكفل لها الحياة الأزهرية القيمة ، والمستوى الرفيع بين جامعات الأمم المتحضرة. وكان طموحه وهدفه أن ييسر للأزهر النهوض برسالته الدينية والجماعية ، ونشر السلام والطمأنينة في هذا العالم المملوء بالشرور والقلق الروحى.
كان يجمعنا إليه ويضع الاقتراح في مسألة معينة من مسائل الإصلاح في الأزهر ، ونتداول الرأي فيها ويدلى هو برأيه كالمستفهم ، وفي النهاية يستقيم الأمر على الأساس الذي ارتآه في نفسه وفي سريرته. وهكذا دواليك ، حتى اجتمع من ذلك جملة مسائل للإصلاح الذي انتواه ، ووضع أساسه ، وأزمع إجراءه. وفي الحق : انه ما كان يقطع برأى دون الإجماع منا على استحسانه ونفعه ، وكان سبيله في الإقناع الرفق واللين ، والحجة الناطقة ، والبرهان الواضح. وضع مرة مسألة أمامنا : فقيدنا العظيم ، ووكيل الأزهر ، ومديره ، والمائل أمامكم. تداولنا الرأي في المسألة فكان رأيي مخالفا للجميع في صلابة. فابتسم المغفور له ابتسامة عميقة الإحساس ،