ثم قال : لعل لفلان حجة يكون فيها مقنع لنا. وما زال بي يلطف ويرق ، ويعالج ويقنع ، حتى جرني إليه وأسلس قيادي ، فكنت في صف الجماعة.
وكان شيخنا كثير الحلم والأناة. وأذكر أنه عرض من بعض الطلبة شيء مخالف قبيل وفاته مما يستفز صدر الحليم ، فرعد وزمع ، وتمعر وجهه على غير عادته ، فقلت : سيدي أين غاب عنك حلمك ، ولم تغيرت عادتك في هذه المرة؟! فقال مبتسما ، وفي صوت مرنان : ومن ذا الذي ياعز لا يتغير؟ إن الأزهر حين فجع في شيخه الأكبر ، فإنما فجع في أسمى وأطيب وأعرق الخلال الكريمة التي لو وزعت على جماعة كثيرة لوسعتهم جميعا ، وكان أجلى ما في خلاله الوفاء ، الوفاء الخالص المتصل ، لأصدقائه ولداته ، والعفاة المحرومين الذين اتصلوا به ، وكان إلى جانب الوفاء الكرم والسماحة ، كرم النفس ، وسماحة الصدر إلى حد التضحية بكل نفيس في سبيل ذلك. وفي جانب الوفاء والكرم والسماحة والحياء.
ومن كلماته كلمة ألقاها بمناسبة اختياره رئيسا فخريا لجمعيات المحافظة على القرآن الكريم بعد وفاة الشيخ المراغي ، قال فيها :
«القرآن مصقلة القلوب كما ورد في الحديث ، وما أحوج قلوبنا إلى ما يصقلها ويجلو منها الصدأ! والقرآن هدى ونور ، فهل إلا القرآن لما بغشى العالم اليوم من ظلام وضلال ، والقرآن من بعد هذا ثقاف للألسن ، يقوم عوجها ، ويصلح عجمتها ، ويغذى من البلاغة مادتها ، فمن عمل على تنشئة أطفالنا على حفظ القرآن وترتيله ومدارسته ، فإنما يصلح القلوب ، ويقوم الأخلاق ، ويخدم العربية ، وما أشرف ذلك مقصدا وأعظمه نفعا!» ويتقاضانا الوفاء بمناسبة أول احتفال سنوي بعد وفاة الرئيس الفخري السابق رضى الله عنه أن نذكر مآثره الباقيات في خدمة القرآن الكريم : كان رحمه الله مسلما صادقا ، وكان يحب القرآن حبا جما ، وقد عنى في أكثر دروسه الدينية بالتفسير في أسلوب يلائم جلال كتاب الله ، ويوطد أسباب فهمه لأذواق الأجيال الحاضرة ، كما كان يصنع من قبل أستاذنا الإمام «الشيخ محمد عبده». ووجه الأزهر إلى العناية بالدراسات العالية لعلوم