الأستاذ وجده في السعي له ، فأنبأني بأنه يرى فيه الكفاية لمنصبه أولا ، وبأنه فقد زوجه وجزع لفقدها ، فمن الخير أن يترك وطنه ومدينته ويشغل عمله ذاك الجديد ، عسى أن يجد في ذلك عزاء وتسلية.
وربما جر عليه وفاؤه ذاك بعض ما كان يضيق به من الأمر ، ولكنه لم يحفل قط بعواقب الوفاء أتكون خيرا أم شرا ، بل لم يحفل قط بعواقب الواجب وما يمكن أن تجر عليه مما يسوؤه أو يرضيه. كان سعد زغلول منفيا عن وطنه وكانت زوجه تعيش في دارها بالقاهرة يبرها المصريون والسعديون منهم خاصة ، وكان مصطفى من أسرة تذهب مذهب الأحرار الدستوريين الذين كانوا يخاصمون سعدا أشد الخصام ، وكان مفتشا قضائيا بوزارة العدل ، وأقبل عيد من الأعياد ، فلم يتردد مصطفى في أن يذهب إلى دار سعد ويترك بطاقته هناك.
وانقضت أيام العيد ، وذهب مصطفى إلى عمله ، فلم يكد يستقر في مكتبه حتى دعي للقاء الوزير. فلما لقيه قال له الوزير : ألم أعلم أنك ذهبت الى دار سعد وتركت فيها بطاقتك يوم العيد؟ قال مصطفى : قد كان ذلك. قال الوزير : أو لم تعلم أن سعدا يناوىء الحكومة القائمة وأن زيارة داره سياسة محظورة على الموظفين؟ قال مصطفى : تلك مجاملات لا شأن لها بالسياسة ولا بالحكومة ، قال الوزير : فأنت مفصول منذ الآن. قال مصطفى : أنت وما تريد. وعاد مصطفى إلى داره غير حافل بما كان. ولكن رئيس الوزراء ثروت باشا ، رحمه الله ، علم بالأمر فعاتب الوزير فيه ، وترضى ذلك الوفى الذي وشت به الأرصاد فعوقب على الوفاء.
والبر بطلاب العلم خاصة ، وبكل من يحتاج إلى البر عامة ، كان الخصلة الثالثة من خصال مصطفى عبد الرازق. فلم أعرف قط قلبا ابر بفقير ولا نفسا أرق لذي حاجة ، ولا يدا أسرع إلى العطاء ، من قلب مصطفى عبد الرازق ونفسه ويده.
كان أستاذا في كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وكنت لها عميدا في