بعض الأوقات ، وكان فقراء الطلبة أكثر مما تحتمل قواعد المجانية في الكلية إذ ذاك ، فكان يسعى إلي في بعضهم ، فأجتهد له في ذلك حتى لا أجد سبيلا إلى الاجتهاد ، فأشهد ما تخلف قط عن أداء نفقات التعليم عن أولئك الذين كانت تضيق بهم القواعد. وكلمته في ذلك ذات يوم وقلت له : توشك ألا تجد شيئا من مرتبك آخر الشهر ، فضحك ضحكة حلوة ، وقدم إلي سيجارة من نوع جديد ، كما كان يقول ، ثم ألقى بهذه الكلمة التي لم أنسها قط ، والتي ينبغي أن يذكرها كل قادر على العون : وماذا تريد أن نصنع بهؤلاء الطلاب؟ أتريد أن نتركهم يصدون عن العلم ونحن نرى؟
كان وفيا وكان أبيا وكان برا وكان سمح الطبع والنفس والقلب. لم أره قط يخرج عن هذه الخصال منذ عرفته إلى أن فرق بيننا الموت. وكان لهذه الخصال كلها تأثير أي تأثير في حديثه إذا تكلم وفي فنه اذا كتب.
واقرأ ما شئت من فصول هذا الكتاب : ما كتبه منها أيام شبابه الأول ، وما كتبه منها بعد أن تقدمت به السن ، ما كتبه منها حين كانت الأيام هينة لينة ، وما كتبه منها حين كانت الأيام شدادا ثاقلا.
لم يكن شيء قادرا على ان يغير من خصاله تلك شيئا. كان سمحا في جميع أطواره وفي أطوار من حوله من الناس وما يحيط به من الظروف. كانت الابتسامة الحلوة أدل شيء عليه ، والحديث العذب ألزم شيء له. وكان يضيف إلى خصاله هذه خصلة أخرى إذا كتب ، وهي خصلة العناية الدقيقة جدا بالتفكير أولا وبالتعبير بعد ذلك عما فكر فيه. كان لا يكره شيئا كما كان يكره العجلة في القول والعمل والمشي أيضا.
كان شديد الإيثار للإناة. وكان ذلك ربما عرضه لدعابات الصديق والزملاء ، فما أكثر ما كانت تعقد الاجتماعات ، ويحضر أعضاء هذه الاجتماعات في الموعد المقدر لا يتأخرون عنه إلا الدقيقة أو الدقائق القليلة إلا مصطفى ، فكان يأتي دائما متأخرا جدا وكان زملاؤه لا يحبون