ودعوتهم مرتبة على منازل ، دعوة بعد دعوة ، حتى تبلغ هذه الدعوات تسعا يبدأ الداعي أولا باستدراج المدعو بعد أن يكون قد وقف على هذه التعاليم ومبلغ إيمانه بدينه ، ويستهويه إلى هالته العقلية ، ويشرع يشككه في أفكاره بأسئلة إنكارية : ما معنى العدو بين الصفا والمروة؟ ولم كانت الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة وما بال الله قد خلق الدنيا في ستة أيام؟ أعجز عن خلقها في ساعة واحدة؟ وما معنى الصراط المضروب في القرآن مثلا والكاتبين والحافظين؟ أخاف أن نكابره ونجاحده حتى أدلى العيون وأقام علينا الشهود وقيد ذلك في القرطاس بالكتابة؟
وهكذا يستمر يلقي الأسئلة سراعا وينفث سموم الريب في النفس ، ثم يعقب على هذه الأسئلة بأسئلة الغرض منها استهواء المدعو إلى حظيرة الفلسفة والهرطقة التي كانوا يقولون بها : أين أرواحكم؟ وكيف صورها وأين مستقرها ، وما أول أمرها؟ والإنسان ما هو؟ وما حقيقته؟ وما الفرق بين حياته وحياة البهائم؟ وما معنى قول الفلاسفة : الانسان عالم صغير والعالم إنسان كبير؟ وأمثالها حتى إذا علم الداعي أن نفس المدعو قد تعلقت بما سأله عنه وطلب منه الجواب عنها ، قال له حينئذ : لا تتعجل فإن دين الله أعلا وأجل من أن يبذل لغير أهله ، ثم بعد حديث وإغواء يأخذ عليه عهدا ألا يفشي سرا ، ولا يظاهر أحدا عليهم ، ولا يطلب لهم غيلة ، ولا يكتمهم نصحا! ولا يوالي عدوا لهم ، فإذا أعطى العهد طلب منه جعلا من المال يجعله مقدمة أمام كشفه له الأمور وتعريفه إياها.
وينتقل إلى الدعوة الثانية ومرماها إثبات ضرورة وجوب الإمام الذي ينصبه الله للناس ، وإلى تقرير أن الأئمة السبعة آخرهم محمد بن إسماعيل ابن جعفر ، وهو صاحب ذلك الزمان ، وعنده علم المستورات وبواطن المعلومات التي لا يمكن أن توجد عند أحد غيره ، وعلى جميع الكافة اتباعه والخضوع له والانقياد إليه والتسليم له ، لأن الهداية في موافقته واتباعه والضلال والحيرة في العدول عنه .. ثم ينتقل إلى تعليل اعتقادهم في الأئمة والنقباء الاثني عشر.