وهنا يكون الداعي قد تمكن من نفس المدعو فيعمل على تعمير منطقة العقل ويدعوه إلى النظر في كلام أفلاطون وأرسطو وفيثاغورس ، وينهاه عن قبول الأخبار والاحتجاج بالسمعيات.
ثم ينتقل إلى اثبات معجزة النبي الصادق والوحي على طريقة تعاليمهم الشيعية. وقد ظلت الدعوة قائمة الى هذه المبادىء ، وكان من زعمائها في القرن الخامس الهجري «الحسن بن محمد الصباح».
وهذه التعاليم تظهر بجلاء في رسائل إخوان الصفا ، وتوهم أن الروح التي أملتها روح عالية تتسع آفاقها لاستيعاب حيز كبير من حقائق هذا الوجود ، وأن العقلية التي أخرجتها عقلية حرة جريئة. والواقع ربما خالف هذا فإن الفاطميين وإن كان يشم من كلامهم الدعوة إلى وحدة الوجود ، والنظر إلى هذا العالم بعين الحكمة والاعتبار والتفلسف ، إلا أنهم أفسدوا هذه النظرة السامية بحجرهم على العقول في الاعتقاد بأئمتهم ، وأفسدوا كل شيء حينما حاولوا أن يستغلوا ما في هذه التعاليم من طرافة وطلاوة لمصلحتهم الخاصة ، بمحاولة تطبيقها على ما تبتغي أهواؤهم السياسية ، وأنهم حاولوا فرض شيء كثير من الاستبداد على عقول الناس ومشاعرهم لحد يكاد يبلغ الجمود ، وآية ذلك ظاهرة في الفقه في هذا العصر ، وتوقف التفكير فيه عند حد التقليد وعجزه عن الابتكار والرأي والقياس. وآية ذلك ظاهرة في بعض شعراء هذا العصر الذين أفسدت عليهم شاعريتهم حتى صاروا يؤلهون الحاكم ويعتقدون أن الله قد يتجسم في شخص الأئمة والخلفاء : من ذلك ما قاله ابن هانىء الأندلسي في المعز :
ما شئت لا ما شاءت الأقدار |
|
فاحكم فأنت الواحد القهار |
وكأنما أنت النبي محمد |
|
وكأنما أنصارك الأنصار |
وهو الذي تجدي شفاعته غدا |
|
حقا وتخمد إذ تراه النار |
إنهم استمدوا تعاليمهم من الأفلاطونية الحديثة وأخذوا ما نقله