إخوان الصفا عنها وعن الفلسفة اليونانية فأفسدوها حينما أرادوا تطبيقها على الناس ، يبتغون من وراء ذلك تشكيل عقائدهم بأسلوب يضمن لهم السلطان والإمامة. ومثل هذا الأسلوب في التفكير والاعتقاد أقرب الى أن يكون فارسيا منه إلى أي شيء آخر ، وقد كان للشيعة أكبر عضد في فارس ، ولعل المذهب تأثر كثيرا بعقلية الفرس الواقعية واعتقادهم في الحلول وتأليه الأكاسرة. ومثل هذا الأسلوب بعدما يكون عن النفسية المصرية فقد صعب تمثيله وهضمه فنبذته ولو أنها أكرهت عليه مدة طويلة.
«ولا يمكننا أن نقدر مقدار النجاح في شيوع المذهب الإسماعيلي بمصر وقدر الذين انتحلوه من خاصة الأمة ، إلا أنا نعلم أن أثره في العامة كان قليلا جدا لما يروى من أخبار نفورهم من مظاهر الاسماعيلية ومن عقائدهم ، ويظهر أن بيئة الفقهاء لم تتقبله ، ووسموه بميسم الكفر والإلحاد ، فنفر الجمهور منه ، وزاد نفرته السرية التي كانت تحيط بالدعوة ، فزاد ذلك في تأييد اعتقادهم أنه خارج عن الدين توارثوه عن أئمتهم وعن علمائهم».
وهذه العبودية التي فرضها الفاطميون على العلماء بنشر تعاليمهم وحدها وتأييد مذهبهم الفاطمي في الفقه ومحاجتهم الناس ، أثرت أثرا بليغا في تطور التشريع الإسلامي ، فقد سار التشريع في هذا العهد في دور التقليد وعدم الاجتهاد. فإن الجو ، لا يساعد العلماء على الابتكار والتجديد.
ولكن نلاحظ من ناحية أخرى أن نشاطهم في بث الدعوة أدى إلى خلق هذا النوع الجديد من العلوم الذي أطلق عليها «أدب البحث» وألفت في قواعدها الكتب ، وكثرت مجالس النظر وشاعت المناظرات والمجادلات شيوعا.
وبقي مذهب الشيعة منتشرا في مصر قضاء وفي الأزهر دراسة ، إلى أن انقرضت دولة الفاطميين.