وعادت لمصر حينئذ السنة المحمدية ، وأول مذهب سني درس بالأزهر المذهب الشافعي وانقرض من ذلك الحين المذهب الشيعي ، ولم يبق له أثر بالأزهر سوى الجراية ، تعطى لمن هو متمذهب بهذا المذهب ، وهذا الجراية كانت تصرف لأصحابها لوقت قريب. هذا وتعاليم الشيعة الآن معمول بها في فارس وبمصر متحف خاص (بالبهائية) التي تعمل على حد هذه التعاليم ، ويقرر الأستاذ (بيرم) في رسالة وضعها عن الأزهر وقدمها لمؤتمر المستشرقين المنعقد بمدينة (هامبورج) في أوائل سبتمبر سنة ١٩٠٢ أن العلوم الرياضية كانت تدرس بالأزهر ، كالعلوم الفلكية والطبيعية والجغرافية ، ولكنه استند في تقريره هذا إلى أنه استنتج ذلك من عناية الفاطميين بهذه العلوم وعنايتهم بالكتب وجمعها واستبعد ألا تكون هذه العلوم قد درست بالأزهر ، والأزهر كان متأثرا في حياته بكثير من العوامل السياسية التي ظهرت وقتذاك. وإن ما كان يدرس فيه في عهد الفاطميين هو التعاليم الشيعية الإسماعيلية والدعوة إليها ، والمذهب الفاطمي في الفقه .. وكان لهذه التعاليم أثر واضح في الحياة الخلقية في ذلك العصر ، وقد عدد آفاتها الغزالي وآفات عقلية أوقفت التشريع الإسلامي عند حد التقليد وعدم الاجتهاد ، وأصبح التشريع الإسلامي في هذا العصر هو المرحلة الأخيرة لتطوره. ولم يكن للعقول في ذلك الوقت سبيل الى الاجتهاد والقياس ، واحتاجوا إلى تنظير المسائل في الإلحاق وتفرقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على هذا النوع من التنظير والتفرقة.
ومن هذا كله نعلن أن الأزهر اتخذ أول ما أنشىء مسجدا لعبادة الله والدعاية للفاطميين ودولتهم ، ثم عقدت في جنباته حلقات الدروس العامة ، فكان الأساتذة من فقهاء الشيعة يجلسون لإلقاء دروسهم على كل من يحضرها في الفقه واللغة والأدب والمنطق والطبيعيات والرياضيات.
وأول كتاب قرىء في الأزهر على ما ذكرناه هو «الإقتصار» في فقه آل البيت لأبي حنيفة النعمان بن أبي عبد الله بن محمد القيرواني قاضي