وأنشأ لهم دارا للسكنى بجوار الأزهر ، وخلع عليهم في يوم الفطر ، وأجرى عليهم ابن كلس أيضا رزقا من ماله الخاص (١).
وفي عام ٣٨٠ ه رتب المتصدون لقراءة العلم بالأزهر ، وبذلك صار الأزهر معهدا جامعيا للعلم والتعليم والدراسة ، وكان هؤلاء الأساتذة الذي رتبهم ابن كلس للقراءة والدرس بالأزهر وأقرهم العزيز بالله أول الأساتذة المدرسين الذين عينوا بالجامع الأزهر الشريف ، ومن هذا التاريخ يبدأ الأزهر حياته الجامعية العلمية الصحيحة .. وفي الحق أن هذا يدل على أن ابن كلس كان وزيرا عظيما وعالما جليلا وأديبا كبيرا.
وكان يعقد بداره مجالس علمية وأدبية دورية ينتظم في سلكها أكابر الفقهاء والأدباء والشعراء (٢) ، وكان يشرف بنفسه على هذه المجالس ، ويشترك في أعمالها ، ويغدق العطاء على روادها. وقد أخذ ابن كلس بقسط حسن في التأليف والكتابة فوضع كتابا في القراءات ، وكتابا في الفقه ، وكتابا في آداب رسول الله ، وكتابا في علم الأبدان والصحة ، ومختصرا في فقه الشيعة مما سمعه من المعز لدين الله. وهو المعروف بالرسالة الوزيرية. وكان يقرأ كتبه على الناس تارة بالجامع الأزهر وتارة بداره ، ويجتمع لديه الكتاب والنحاة والشعراء فيناظرهم ويصلهم ، وكانت موائدة دائما منصوبة معدة للوافدين ، وكان كثير الصلات والإحسان ، وبالجملة فقد كان هذا الوزير والعالم الأديب مفخرة في جبين عصره ، وقد أشاد شعراء العصر بجلاله وجوده ، ومن ذلك ما قاله أحدهم حين أصابت الوزير علة في يده :
يد الوزير هي الدنيا فإن ألمت |
|
رأيت في كل شيء ذلك الألما |
تأمل الملك وانظر فرط علته |
|
من أجله واسأل القرطاس والقلما |
ومرض ابن كلس في شوال سنة ٣٨٠ ه ، فجزع عليه العزيز أيما
__________________
(١) صبح الأعشي عن المسبحي ٣٦٧ ج ٣ ، وخطط المقريزي ص ٤٩ ج ٤.
(٢) ٤٧ تاريخ الأزهر لعنان.