جزع ، ولبث يعوده ويرعاه ، حتى توفي في الخامس من ذي الحجة ، فحزن عليه حزنا شديدا ، وأمر بتجهيزه تجهيز الأمراء والملوك ، وخرج من القصر إلى داره في موكب صامت محزن ، وشهد تجهيزه وصلى عليه بنفسه ، ووقف حتى تم دفنه وهو يبكي بدمع غزير واحتجب في داره ثلاثا لا يأكل على مائدته ، والحزن يشمل الخاصة والقصر كله ، وأفاض الشعراء في رثاء الوزير الراحل ومديحه ، فوصلهم العزيز جميعا ، وعلى الجملة فقد سما ابن كلس في ظل الدولة الفاطمية إلى أرفع مكانة .. ومهما كان فإن تلك الخطوة الأولى في ترتيب الأساتذة والدروس بالأزهر بطريقة منظمة مستقرة ، كان لها أثر كبير في تطور الغاية التي علقتها الخلافة الفاطمية بادىء ذي بدء على إنشاء الجامع الأزهر ، فقد كانت هذه الغاية كما رأينا أن يكون المسجد الجامع الجديد رمز الخلافة الجديدة ومنبرا لدعوتها (١).
ابتدأ الأزهر حياته العلمية المنظمة بخمسة وثلاثين طالبا. ولم يشجع هؤلاء بما رأينا فحسب ، بل كان هناك لون آخر من ألوان التشجيع ، فيحدثنا المقريزي أن العزيز بالله «خلع عليهم في يوم عيد فطر وحملهم على بغلات». ولم يكن الأزهر في ذلك العهد مقصورا على الرجال فحسب ، بل كان للمرأة فيه نصيب فكن يفردن فيه بمجلس خاص (٢).
وهكذا آلت تلك الحركة العلمية الميمونة إلى الأزهر ، وازدهرت فيه وترعرعت حتى تخرج فيه أئمة فضلاء ، وشيوخ أجلاء ، خدموا الإسلام والمسلمين بالتأليف تارة ، وبالتدريس أخرى ، حتى أصبح مفخرة العالم الإسلامي عامة ، ومصر خاصة.
__________________
(١) راجع في هذا البحث وما يتعلق به : خطط المقريزي (الطبعة الأهلية) ج ٤ ص ٤٩ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ج ٣ ص ٧ ـ ١٠ ، وابن خلكان ج ٢ ص ٤٤١.
(٢) خطط المقريزي ج ـ ٢ ص ٢٢٦