ولقد عمل الأنصاري في كتابه على تسجيل المعلومات الخاصة بأفراد كل أسرة من ناحية الوظائف التي شغلوها ، إضافة إلى محاولة تقييمه للسلوك الشخصي لهؤلاء الأفراد وخصوصا فيما يتعلق بطرق معاملاتهم مع نظرائهم في المجتمع. وقد شمل هذا الأسلوب التقييمي أفرادا من أسرة الأنصاري التي ينتمي إليها المؤلف.
كما نجد اهتمامات المؤلف تدفعه من خلال تقصيه لبعض الحوادث التي كان ضحيتها بعض الأفراد من إعطاء صورة محددة الملامح للحالة الأمنية التي كانت تعيشها المجتمعات خلال القرن الثاني عشر الهجري ، فهو مثلا يذكر أنّ شخصا قتل على يد الأعراب في مكة سنة ١١٧٦ ه (١٠) ، وشخصا آخر من أفراد المجتمع المدني قتل في استانبول سنة ١١٣٦ ه (١١) ، وآخر اغتيل في مصر سنة ١١٧٢ ه (١٢) ، بينما اغتيل أشخاص في المدينة نفسها ، وقد تمت بعض عمليات الاغتيال هذه في أحوال مختلفة ، ولعله من أغربها هو ما حدث لأحدهم من اعتداء على حياته أثناء أدائه للصلاة.
ولكن المؤلف الذي اهتم بتسجيل هذه الحوادث التي وقع بعضها داخل المجتمع المدني ، والبعض الآخر خارجه ، لم يعطنا تفسيرا لوقوع هذه الحوادث الأليمة ، وإن شذّ أحيانا في ذكر سبب القتل ـ وخصوصا عند ما يتعلق الأمر بإصدار أمر من حاكم البلدة بقتل أحد الاشخاص ، فإن السبب لا يكون مقنعا. فلقد ذكر المؤلف أن رجلا صدر أمر بقتله لأن الأهالي تضايقوا من سلوكه الشخصي. (١٤)
من حيث النواحي الاقتصادية للمدينة في القرن الثاني عشر الهجري لا نجد وصفا دقيقا يمكن الاعتماد عليه أو الرجوع إليه فيما يتصل بهذه الحياة ، إلا أن المؤلف لم يغفل ذكر الوظائف التقليدية التي كانت بعض الأسر تعتمد عليها في تسيير شؤون حياتها ، كوظائف الخطابة في المسجد النبوي الشريف (١٥) ، أو الكتابة في ديوان الحاكم أو الأمير. (١٦) بينما اشتغل البعض بالتجارة ، ومنها التجارة في العطارة وبيع الأقمشة ، (١٧) وانصرف البعض إلى استغلال الأراضي وزراعتها والاستفادة من محصولها. (١٨)
كما لا ينسى المؤلف أن يشير ـ عرضا ـ إلى نظرة المجتمع ـ حينذاك ـ إلى الاشتغال بالمهن والصناعات. وهي نظرة يشوبها شيء من الازدراء. (١٩)