ولقد ناقش «سليمان البستاني» في مقدمة ترجمة إلياذة «هومر» قضية التقارب بين جاهلية العرب وجاهلية اليونان ، إلا أنه خلص إلى أن «المشارقة لم ينظموا الملاحم بالمعنى الصحيح ، فرغم ما توفر للأعراب من أدوات الفصاحة ، فعدم التطلع إلى ما وراء الطبيعة وقف حاجزا دونهم ودون تحقيق هذا النوع من الأدب ، بيد أننا ـ ونحن نلقي نظرة على بعض كتب الأدب بعامة ، وجمهرة أشعار العرب بخاصة ـ نستطيع القول بشيء من التوسع إنه كان للمشارقة ، من جاهليين ومولدين ، نوع من الملاحم القصيرة تناولوا فيها حوادث معينة» (٧).
ولكن «د. س مرجليوث» في محاضرته الموسومة بعنوان : «الشعر أداة فكرية للتاريخ» أوضح أن هناك نوعا من المماثلة بين بعض الإنتاج الشعري ، في مرحلة العصر الإسلامي ، وبعض الأعمال الملحمية العالمية ، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الانتاج العربي الشعري الذي يتوجه لتخليص الحوادث التاريخية ، يظل مفتقدا لبعض السّمات الملحمية ، كالحبكة أو العقدة ولهذا نجده يعقد مقارنة بين القصيدة التاريخية عند الشاعر العباسي عبد الله ابن المعتز «أرجوزة المعتضد» (٨) وبين ملحمة الشاعر (Tasso) تاسو ، والمعروفة باسم (jerusalem ,Delivered) «تحرير القدس» والتي تعرض فيها لحوادث الحملة الصليبية الأولى.
ويدّعى «مرجليوث» أن بناء القصيدة العربية هو أكثر ملاءمة لتعدد الموضوعات منه إلى الموضوع الواحد ، كما هو ضروري في البناء الملحمي ولهذا فإن القصائد التاريخية الملحمية في الأدب العربي تمت صياغتها في بحر الرجز (٩) لأنه الوحيد الذي يتلاءم مع هذا الفن الشعري.
** وسوف نتعرض بالتفصيل لرأي «مرجليوث» هذا الذي يتجنى فيه على القصيدة العربية ، وذلك ناشئ من عدم إحاطته بتاريخ الأدب العربي ، وسوف تقدم الأمثلة الشعرية من إنتاج شعراء الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر «الدليل الواضح على أن القصيدة العربية ذات البحر الشعري الطويل قادرة على استيعاب الموضوع الواحد ذي الصبغة الملحمية التاريخية ، وأن هذه القصيدة ـ في الوقت نفسه ـ احتفظت بروائها الشعري ، وصياغتها الفنية الجميلة.
***