حاكما من حكام المدينة في تلك الفترة ، والثالثة في سنة ١١١٥ ه ، وهي فتنة «عبد الرحمن أغا الكبير».
هذه الحوادث جميعها لم تتعرض لها ـ بالتفصيل ـ المصادر التاريخية وربما كان ذلك راجعا إلى ضياع مؤلفات ذلك العصر ، التي كانت تحتفظ بها بعض المكتبات الخاصة في المدينة. ولربما افتقدنا المؤرخ ـ نفسه ـ للظروف السيئة ، التي كان يمر بها المجتمع ـ آنذاك ـ إلا أننا لم نفتقد الشاعر الذي عمل على تطويع القصيدة الشعرية لمقتضيات العصر ، ويبتعد بها عن الموضوعات المبتذلة ، التي كانت سمة من سمات بعض الإنتاج الشعري لفترة العصر العثماني ، أو بعبارة أخرى : وجدت الملكة الشعرية القوية ، فكانت عينا تسجل ، وأذنا تسمع ، ولسانا ينطق.
لقد كان السيد جعفر البيتي ذلك اللسان الذرب ، الذي وصف تلك الفتن ، فجاء وصفه مليئا بالصور الشعرية الرائعة ، التي يمكننا من خلالها معرفة ما كان يزعج ذلك المجتمع الآمن ، ويقض مضجعه.
** وقبل أن نختار ملحمة من ملاحم شاعرنا المذكور ، لنتعرف من خلالها على الحالة السيئة ، التي وصل إليها الوضع الاجتماعي في المدينة ، ولندرسها دراسة تحليلية نتلمس من خلالها تلك الوسائل الفنية التي استخدمها الشاعر في عمله الشعري ، ومدى نجاحه في هذا الجانب التطبيقي الهام ، قبل أن نختار المثال الذي سوف نخضعه لهذه الدراسة ، سوف نذكر نبذة موجزة عن جميع الملاحم ، التي شكلت مصدرا رئيسيا لدراسة الجانبين التاريخي والأدبي ، في المدينة المنورة ، في حقبة هامة من أحقاب تاريخنا العلمي والثقافي في الجزيرة العربية.
الملحمة الأولى : التي أبدعها الشاعر «البيتي» ، تحت تأثير أحداث فتنة ١١٣٤ ه ـ ١٧٢١ م ، وتتكون هذه الملحمة من أربعة وتسعين بيتا ، من بحر الكامل ، ويفتتح الشاعر ملحمته هذه قائلا :
المجد تحت ظلال سمر الذبل |
|
وظبا القواضب والجياد القفل |
الموريات العاديات ضوابحا |
|
الصامتات الزافرات الجفل |