الحرب ستة أشهر أخرى ، فلربما كان عند أمير الحاج الشامي ، الذي تعود الناس فصله في القضايا المعضلة ، حل شاف للمأساة ، التي ظلوا يعانون منها ردحا من الزمن.
وعند ما ضاقت الحيلة بهم ، لم يجدوا بدا من أن يقارنوا مأساتهم تلك بالمآسي الأخرى ، التي شهدتها الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل. وتلك المقارنة ، التي يعقدها شاعرهم «البيتي» تعكس لنا دلالات عديدة منها ؛ قدرة الشاعر على قراءة التراث قراءة واعية ، واستخدامه له استخداما موفقا في الربط بينه وبين الحاضر المأساوي ، الذي كان يعيشه إنسان تلك البيئة. في القرن الثاني عشر.
ثم نلمس ـ أيضا ـ أن الشاعر قصد من وراء هذا الربط بين الصور المتشابهة. في الماضي والحاضر ، تنبيه الدولة العثمانية إلى النتائج المترتبة على استمرار ذلك الصراع في مجتمع المدينة من حيث تأثيره ـ سلبيا ـ على مسيرة العثمانيين الذين وثقوا ارتباطهم ـ في بداية الأمر ـ بتعاليم الدين الإسلامي ، واحترام مقدساته ، والعطف على رعاياه.
** لقد قال لهم ـ أي للعثمانيين ـ ما سوف يسمعونه ، بعد قرن من الزمن ، في القرن الثالث عشر الهجري ـ من شاعر آخر من شعراء المدينة وهو «إبراهيم الأسكوبي» الذي نبه الدولة العثمانية إلى المخاطر العظيمة التي تحيط بها من جراء بعدها عن العقيدة الإسلامية ، وارتمائها في أحضان الغرب.
فماذا قال جعفر البيتي؟
يا للكبائر من أدعو فيسمعني |
|
حتى أصرح عنها أو أكنيها |
من للمدينة إن غصت بريقتها |
|
ومن يجيب نداها ، من يلبيها؟ |
ما أفقر الصيد إلا بعد مسلمة |
|
أعطت محاسنها الدنيا لماضيها |
مصيبة عرضت للمسلمين غدت |
|
عن «كربلاء» و «يوم الدار» تلهيها |
عادت لنا سيرة التيمور في حلب |
|
أيام صبيانها شابت نواصيها |