المسافات عن هذه الأرض المقدسة ، ولكنها تعيش في وجدانه ، ذلك الوجدان ، الذي تغذى بأحاديث المصطفى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الداعية إلى احترام قدسيتها ، وشد الرحال إلى مسجدها ، وعدم التورط في إيذاء أهلها.
ولعل الشاعر نجح في إيصال صوته ـ عبر هذه القرون الطويلة ـ إلينا وتبقى مصداقية ما كان يريد أن يبلغه بصوته الشعري أمرا آخر يحتاج منا إلى البحث عن قرائن أخرى تؤيده أو تنقضه ، وخصوصا أن الشاعر يشير ـ في ملحمته ـ إلى استخدام جماعات القتال للحرم النبوي الشريف ، كمنطلق لهذه الحرب الآثمة التي يبدو أنها لم تحترم مقتضيات المكان والزمان.
يقول الشاعر في ذلك :
لا جمعة ، لا صلاة ، لا أذان بها |
|
إلا البنادق ترمى في نواحيها |
فصاحت الناس شرع الله وابتدروا |
|
إلى الخصومة قاصيها ودانيها |
وبادروا مجلس القاضي لينظر في |
|
فصل القضا ولنار الحرب يطفيها |
فصدر الحاكم الشرعي نحوهم |
|
رسالته تقتضى الدعوة وتحويها |
فلم يردوا خطابا عن رسالته |
|
إلا الرصاص جوابا في حواشيها |
وترسوا مسجد الهادي ، وثار به |
|
بين الفريقين حرب لست أحكيها |
فيا لها زلة منهم وفاقرة |
|
جاءت على رغم مفتيها وقاضيها |
لقد طغى صوت الحرب على صوت العقل والحكمة ، فلم يستمع المحاربون إلى قول الشرع في القضايا ، التي كانت سببا في ذلك القتال ، الذي احتدم ، وخلف وراءه دماء تراق ، ونفوسا تتألم.
بل كان على المجتمع ـ أيضا ـ أن يقع تحت تأثير طائلة النزوات الشخصية المدفوعة بإغراءات السلطة ، كان على الناس أن يتفرغوا لهذه