الشاعر من خلال قصيدته أن ينبه السلطات المسؤولة في استانبول ، أو الحجاز للقضاء على الخلافات الموجودة بين فصائل معينة في المجتمع وإعادة سمة الإسلام والطمأنينة إلى المجتمع.
الناقد الإنجليزي (HERBERT READ) هيربيرت رييد ، يعتبر المقياس الكيفي أساسا للتفريق بين القصيدة الطويلة ، والقصيرة ، التي غالبا ما تدعى غنائية (LYRIC) فهذه الأخيرة تجسم ـ من وجهة نظر الشاعر ـ موقفا عاطفيا فرديا أو بسيطا ، قصيدة تعبر مباشرة عن إلهام أو حالة مستمرة ، أما القصيدة الطويلة فهي التي يمكن أن تعبر عن فكرة واحدة غالبة تكون ـ في ذاتها ـ وحدة عاطفية. (٢)
وإذا ما أخذنا قصيدة السيد البيتي ، التي نحن بصدد دراستها ، نجد الشاعر قد خصصها لموضوع واحد ، وهو طبيعة الخلاف في مجتمع المدينة خلال حقبة القرن الثاني عشر الهجري ، وهذا الموضوع يكاد يسيطر على تطور القصيدة الطبيعي ، من خلال مراحل الحدث ، ولقد استطاعت القصيدة استيعاب هذه المراحل استيعابا جيدا.
وهذه المراحل التي يمكن ملاحظتها في البحث عن العوامل التي كانت خلف نشوب القتال بين الأطراف المتنازعة ثم ما كان من أمر المفاوضات بين هذه الأطراف ، ثم تطور الأمر إلى القتال المفاجىء أثناء الليل ، ثم كيف تم الاتصال بين شيخ الحرم ، وشيخ قبائل حرب ، والذي أدى إلى دخول هذه القبيلة الى المدينة لمساندة هذا الحاكم ، الذي جعل من الحرم النبوي الشريف مركزا لقيادة الهجوم ضد أعدائه من الأطراف الأخرى.
وعلى الرغم من الموضوعات المتعددة التي عالجتها القصيدة إلا أنه من الواضح أن التجربة الشعرية ، التي تنتظم أجواء القصيدة هي تجربة الغضب واليأس ، وهذا ما يجعلنا نصل إلى القول بأن قصيدة السيد البيتي هي قصيدة طويلة بالمعيار الشعري الحديث (٣).
في الحلقة الأولى من هذه الدراسة ، التي خصصتها لمناقشة تعريف الملحمة بين الأدبين العربي والأوروبي ، رأينا أن المستشرق «د. س. مرجليوث» يدعى أن القصائد التاريخية الملحمية في الأدب العربي تمت صياغتها في بحر الرجز ، لأنه الوحيد الذي يتلاءم مع هذا الفن الشعري. (٤)