التحليل العروضي لقصيدة السيد البيتي يجعلنا نؤكد أن الشاعر نأى بقصيدته عن هذا البحر ـ أي : الرجز ـ واختار بحرا شعريا آخر لصياغتها ، وهو : البحر البسيط ، وهو بحر يتسع ـ مثل الطويل ـ للحماسة والتشابيه والاستعارات ، وسرد الحوادث. (٥)
ولقد استطاع الشاعر البيتي بلوغ مستوى شعري جيد في وصف حوادث الحقبة التي عاشها ، دون الهبوط إلى المستوى النظمي ، الذي غالبا ما يصاحب مثل هذه التجارب.
لقد كان الجانب الموسيقي المتناغم هو الذي يلامس أذن القارىء خلال قراءته لتفاصيل هذه الملحمة.
وفوق هذا فقد استطاع الشاعر أن يستخدم أدواته الفنية ، بعيدا عن سمات الصنعة والتكلف ، وكانت هذه الأدوات عاملا هاما تساعد القارىء في التحليق في الأجواء التي أراد له الشاعر أن يرتفع إليها ، وأن يتخيل ـ بكل بساطة وتلقائية ـ حوادث مضى عليها حوالي قرنين ونصف من الزمن. إلا أن الشاعر لم يسلم من الوقوع في بعض الأخطاء الفنية ، وخصوصا من حيث انصياعه ـ أحيانا ـ للضغوط الاضطرارية ، التي تشكلها القافية ، وهو أمر غير مستبعد في قصيدة تتكون أبياتها من مائة وثلاثة وستين بيتا.
تظهر ملحمة السيد البيتي : كقصيدة بلغت مستوى جيدا من الصياغة اللغوية ، والخصائص التركيبية ، واستطاعت أن تصور لنا بهذه المقدرات الفنية الحياة الإنسانية في صراعها الأبدي للحفاظ على القيم الأصيلة ، في مجتمع تعرضت جوانب الحياة فيه لنوع من التصادم المنفعي أو الشخصي ، ولكنه التصادم الذي يتبعه الاستقرار ، ويتميز ـ بعد معركته ـ الجيد من الردىء.
لكن بناء القصيدة الملحمي عند السيد البيتي لم ينتج عنه ظهور بطل متميز عن بقية الأبطال ، من حيث قوته أو شجاعته ، وذلك من خلال الأحداث التي عرضتها القصيدة ، ولعل ذلك ناتج من أن القصيدة كانت ترصد أحداثا واقعية ، وليست أحداثا متخيلة أو أسطورية وإذ كان تشكيل صورة بطل متميّز ، (٦) من خلال أحداث القصائد الملمحية في الآداب الأخرى ، يعد أمرا أساسيا في بناء تلك الملاحم ، وتميز ملامحها. إلا أن ذلك لا يمنع القول من