اليمن سنة ١١٧٢ ه ، ويسدون وقائع رحلته في كتابه المعروف باسم «قرة العيون في الرحلة إلى اليمن الميمون» كما يشير إلى اهتمامه بالأدب والشعر خاصة ، وذلك عند ذكره للزيارة التي قام بها لإمام اليمن «المهدي العباسي» حيث مدحه بقصيدة بائية في سبعين بيتا (١٦) ، وهذا يؤكد ما نذهب إليه من احتكاك علماء الحرمين الشريفين ـ في تلك الفترة ـ واتصالهم بنظرائهم في البلاد العربية والإسلامية وهو اتصال كانت له ثمراته المباركة وآثاره الحسنة.
وكتاب الأنصاري ـ التحفة ـ يعتبر دليلا واقعيا على خطأ الرأي الذي ذهب إليه بعض الباحثين وخصوصا المستشرق «فرانز روزنتال» (١٧) من أن كتابة تاريخ المدينة المنورة لم تحظ بالجانب السيري ، ويعتبر مؤلف الأنصاري حلقة في سلسلة من الكتب التي عنيت بتدوين تراجم رجال البلدة الطاهرة ، بدءا من القرن الثامن الهجري ، وكان من أهمها كتاب ابن فرحون (١٨) المعروف باسم «نصيحة المشاور وتعزية المجاور» (١٩) وكتاب «الأعلام فيمن دخل المدينة من الأعلام» للمطري (٢٠) ثم تبع هذين المؤلفين المؤرخ السخاوي (٢١) فألف كتابه «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة» (٢٢) وعني فيه بتراجم رجال المدينة منذ عهد الرسول صلىاللهعليهوسلم حتى عهد المؤلف وهو القرن التاسع الهجري.
وممن برز في المدينة من العلماء ، في حقبة القرن الثاني عشر ، محمد ابن زين العابدين بن عبد الله بن عبد الكريم الخليفتي (٢٣) وعالمنا هذا كما يذكر المرادي (٢٤) تلقى علومه الدينية على يد عدد من مشائخ العصر الأجلاء كالشيخ محمد حياة السندي ، والسيد إبراهيم أسعد وبعد أن تكونت مقومات شخصيته العلمية أخذ في تدريس العلوم مما هيأ له بعد فترة من المراس والدربة أن يتولى وظيفة الخطابة والإمامة كما تولى منصب الإفتاء في المدينة.
أما من حيث إنتاج الخليفتي العلمي فنجد مصدرا ككتاب تراجم أعيان المدينة ، يذكر أنه كان ناظما وناثرا (٢٥) أما البغدادي (٢٦) فإنه الوحيد بين المصادر التي ترجمت له نجده ينفرد بذكر مؤلفه في تاريخ المدينة ، ولا نجد ذكرا لهذا الكتاب عند معاصره عبد الرحمن الأنصاري وهو أمر غريب ، فلقد عني الأخير بتدوين معظم الآثار العلمية التي دونها أصحابها إبان القرن