نفسه في عشية يوم الأربعاء لأربع بقين من المحرم سنة ستين ومائة في قصر الرّصافة وبايع للمهدي ولموسى بن المهدي من بعده وأظهر الأمر في ذلك غداة يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم وحضر الخواصّ فبايعوا في القصر.
ثم خرج المهدي إلى جامع الرّصافة واجتمع الناس في المسجد فصعد المهدي المنبر ، وصعد بعده ابنه ، فكان دونه ، ثم صعد عيسى بن موسى فكان على أوّل مرقاة من المنبر ، فقام المهدي فحمد الله وأثنى عليه ، وأخبر بما اجتمع عليه أهل بيته وشيعته في ذلك أن موسى عامل فيهم بكتاب الله عزوجل وأحسن السيرة وأعفاها ؛ في كلام تكلّم به. وجلس موسى دونه في جانب المنبر لكي لا يستر وجهه ، ولا يحول بينه وبين من يصعد إليه ليبايعه ويمسح على يده ، وقام عيسى بمكانه على أول مرقاة فقرئ كتاب الخلع ، وخروج عيسى مما كان إليه من ولاية العهد وتحليل الناس جميعا مما كان له من البيعة في رقابهم ، وان ذلك كان منه وهو طائع غير مكره ، وراض غير ساخط ، ومجيب (١) غير مجبر ، فأقرّ عيسى بذلك كلّه وأشهد به على نفسه ، وصعد إلى المهدي فبايع ومسح على يده ، ثم بايع موسى ومسح على يده ، ثم انصرف ، ووفّى المهدي لعيسى بن موسى بما ضمن له من الأموال والقطائع وأرضاه ، وكتب بذلك كتابا مؤكدا لشروط عيسى (٢) وشهد عليه فيه خلق من الأشراف والوجوه والكبراء ، فبلغ عدة من شهد في الكتاب من جميع الناس أربع مائة وخمسة وعشرون رجلا (٣) ، ورجع عيسى بعد ذلك إلى الكوفة ، فلم يزل مقيما بها في غير ولاية حتى توفي بها في سنة سبع وستين ومائة ، وهو ابن خمس وستين سنة ، وكان مدة عيسى في ولاية العهد من أوّله إلى آخره ثلاثا وعشرين سنة ، وأخبرني بعض ولد عيسى من رؤسائهم أن عيسى كان لقّب في ولايته العهد بالمرتضى.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة وقرأ عليّ إسناده ـ أنبأنا محمّد بن الحسين ، أنبأنا أبو الفرج المعافى بن زكريا القاضي (٤) ، حدّثنا أبو عبد الله يعني إبراهيم بن محمّد بن عرفة المهلّبي ، وقد تمثل هذا البيت ـ يعني بيت جرير ـ الذي تمثل الحسن بن
__________________
(١) الطبري : محبّ غير مجبر.
(٢) نسخة الشرط الذي كتبه عيسى بن موسى على نفسه في تاريخ الطبري ٨ / ١٢٦ وما بعدها (حوادث سنة ١٦٠).
(٣) في تاريخ الطبري : أربعمائة وثلاثون من بني هاشم ومن الموالي والصحابة من قريش والوزراء والكتاب والقضاة.
(٤) رواه المعافى بن زكريا في الجليس الصالح الكافي ١ / ٣٧٩ وما بعدها.