وعشرون سنة ، ونحو ذلك فضمّ إبراهيم الإمام ابنه عيسى بن موسى إليه فكان يتيمه ، وأوصى إبراهيم عند قبض مروان عليه وإياسه من نفسه إلى من حضره من خاصته أن الأمر من بعده لعبد الله بن محمّد بن الحارثية ، أبو العبّاس ، ثم من بعده لأبي جعفر عبد الله بن محمّد ، ثم لعيسى بن موسى بعد أبي جعفر ، فعمل أبو العبّاس في خلافته على ذلك وعهد به عند وفاته (١) ، فكان الأمر على ذلك إلى أن شرع أبو جعفر المنصور وبعد قتل محمّد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن وكان قتلهما جميعا على يدي عيسى بن موسى في تأخير عيسى وتقديم ابنه محمّد المهدي عليه في ولاية العهد ، وذلك في سنة سبع وأربعين ومائة.
وجرت بين المنصور وبين عيسى بن موسى في ذلك خطوب يطول ذكرها ومكاتبات وامتناع من عيسى ، ثم أجابه إلى ذلك (٢) ، فقدم المهدي في ولاية العهد عليه وأقر عيسى بذلك وأشهد على نفسه به ، فبايع الناس على ذلك ، وخطب المنصور الناس وأعلمهم ما جرى في أمر عيسى من تقديم المهدي عليه ورضاه بذلك ، وتكلم عيسى وسلم الأمر للمهدي ، فبايع الناس على ذلك بيعة محددة للمهدي ، ثم لعيسى من بعده ، وقال المنصور يومئذ : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً)(٣) فلما افضى الأمر إلى المهدي طالب عيسى بن موسى بخلع نفسه من ولاية العهد البتة وتسليمه لموسى بن المهدي ، وألحّ عليه في ذلك إلحاحا شديدا ، وبذل عليه مالا عظيما وخطرا (٤) جزيلا (٥) ، وجرت في ذلك أيضا خطوب إلى أن أقدمه من الكوفة إلى بغداد وتقرر (٦) الأمر على أن يخلع نفسه ويسلم الأمر لموسى بن المهدي ويدفع إليه عشرة ألف ألف درهم ، ويقال عشرين ألف ألف درهم ، ويقطعه مع ذلك قطائع كثيرة ، وقد كان عيسى ذكر أن عليه أيمانا في أهله (٧) وماله ، فأحضر له المهدي من القضاة والفقهاء من أفتاه في ذلك وعوّضه المهدي من ذلك ، وأرضاه (٨) فيما يلزمه من الحنث في ماله ورقيقه وسائر أملاكه ، فقبل ذلك ورضي به ، وخلع
__________________
(١) راجع تاريخ الطبري ٧ / ٤٧٠ حوادث سنة ١٣٦.
(٢) انظر تفاصيل وافية ذكرها الطبري في تاريخه ٨ / ١٤ وما بعدها (حوادث سنة ١٤٧).
(٣) سورة النحل ، الآية : ٩١.
(٤) بالأصل : «وخطر» تصحيف ، والتصويب عن ت.
(٥) في المختصر : جسيما.
(٦) راجع ما ورد في تاريخ الطبري حول هذا الأمر ٨ / ١٢٥ (حوادث سنة ١٦٠).
(٧) «في أهله» مكان اللفظتين مطموس بالأصل ، والمثبت عن ت.
(٨) مكانها مطموس بالأصل ، والمثبت «وأرضاه» عن ت.