إلاّ أنّه إن جعلنا الأصل من المرجّحات ـ كما هو المشهور وسيجيء (١) ـ لم يتحقّق التعادل بين الأمارتين إلاّ بعد عدم موافقة شيء منهما للأصل ، والمفروض عدم جواز الرجوع إلى الثالث ؛ لأنّه طرح للأمارتين ، فالأصل الذي يرجع إليه هو الأصل في المسألة المتفرّعة على مورد التعارض ، كما لو فرضنا تعادل أقوال أهل اللغة في معنى «الغناء» أو «الصعيد» أو «الجذع» من الشاة في الأضحية ، فإنّه يرجع إلى الأصل في المسألة الفرعيّة.
لا بدّ من الفحص عن المرجّحات في المتعارضين |
بقي هنا ما يجب التنبيه عليه خاتمة للتخيير ومقدّمة للترجيح ، وهو : أنّ الرجوع إلى التخيير غير جائز (٢) إلاّ بعد الفحص التامّ عن المرجّحات ؛ لأنّ مأخذ التخيير :
إن كان هو العقل الحاكم بأنّ عدم إمكان الجمع في العمل لا يوجب إلاّ طرح البعض ، فهو لا يستقلّ بالتخيير في المأخوذ والمطروح إلاّ بعد عدم مزيّة في أحدهما اعتبرها الشارع في العمل. والحكم بعدمها لا يمكن إلاّ بعد القطع بالعدم ، أو الظنّ المعتبر ، أو إجراء أصالة العدم التي لا تعتبر فيما له دخل في الأحكام الشرعيّة الكلّية إلاّ بعد الفحص التامّ ، مع أنّ أصالة العدم لا تجدي في استقلال العقل بالتخيير ، كما لا يخفى.
وإن كان مأخذه الأخبار ، فالمتراءى منها ـ من حيث سكوت بعضها عن جميع المرجّحات ـ وإن كان جواز الأخذ بالتخيير ابتداء ،
__________________
(١) في (ظ) زيادة : «الكلام فيه» ، انظر الصفحة ١٥١.
(٢) كذا في (ص) و (ظ) ، وفي غيرهما : «غير جار».