العقل عند التزاحم بوجوب ترك غيره ، وكون وجوب الأهمّ مزاحما لوجوب غيره من دون عكس. وكذا لو احتمل الأهميّة في أحدهما دون الآخر. وما نحن فيه ليس كذلك قطعا ؛ فإنّ وجوب العمل بالراجح من الخبرين ليس آكد من وجوب العمل بغيره.
هذا ، وقد عرفت فيما تقدّم (١) : أنّا لا نقول بأصالة التخيير في تعارض الأخبار ، بل ولا غيرها من الأدلّة ؛ بناء على أنّ الظاهر من أدلّتها وأدلّة حكم تعارضها كونها من باب الطريقيّة ، ولازمه التوقّف والرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما أو أحدهما المطابق للأصل ، إلاّ أنّ الدليل الشرعيّ دلّ على وجوب العمل بأحد المتعارضين في الجملة ، وحيث كان ذلك بحكم الشرع فالمتيقّن من التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين.
الأصل وجوب العمل بالمرجّح ، بل ما يحتمل كونه مرجّحا |
أمّا مع مزيّة أحدهما على الآخر من بعض الجهات فالمتيقّن هو جواز العمل بالراجح ، وأمّا العمل بالمرجوح فلم يثبت ، فلا يجوز الالتزام به (٢) ، فصار الأصل وجوب العمل بالراجح ، وهو أصل ثانوي ، بل الأصل فيما يحتمل كونه مرجّحا الترجيح به ، إلاّ أن يرد عليه إطلاقات التخيير ؛ بناء على وجوب الاقتصار في تقييدها على ما علم كونه مرجّحا.
استدلال آخر على وجوب الترجيح والمناقشة فيه |
وقد يستدلّ على وجوب الترجيح (٣) : بأنّه لو لا ذلك لاختلّ نظم
__________________
(١) راجع الصفحة ٣٨.
(٢) «به» من (ت).
(٣) انظر مفاتيح الاصول : ٦٨٧.