المقيمية ، ووصل إلى أوطأ من قمة السدود المحيطة بالمدينة بقدم واحد. وبأمل التمكن من تقديم المساعدة ذهب المستر غروفز إلى المقيمية. لكن المناظر التي شاهدها في الطريق كانت تبعث في النفس التألم والكدر إلى أقصى الحدود ، ولم يكن من الممكن مطلقا الحصول على أي نوع من المساعدة للمصابين الذين كانوا يصارعون المرض. فمن الناس من كانت زوجته تعاني سكرات الموت ، ومنهم من كانت أمه كذلك ، ومنهم من كان مضطرّا لأن يذهب بنفسه إلى الشط فيحمل الماء منه ليغسل طفلا ميتا. لأن السقاة الاعتياديين انعدم وجودهم ، وإذا ما وجد منهم أحد كنت تجده مصحوبا بخادم يسوقه إلى بيت حدثت فيه حادثة وفاة. وقد امتلأت ساحة الجامع بالقبور الحديثة وأخذ الناس يدفنون الموتى في الشوارع العامة. ويقول المستر غروفز «ان الموت قد أصبح الآن مألوفا بحيث إن الناس صاروا يدفنون أقرب الناس إليهم من دون اكتراث يعتد به ، كما لو كانوا يقومون بعمل اعتيادي».
ولم تكن المناظر القريبة أقل من ذلك إثارة للألم والانزعاج. ففي مقابل شبابيك الدار التي كان يقيم فيها المستر غروفز كانت هناك دربونة تؤدي إلى ثمانية بيوت ، ومن هذه البقعة الصغيرة فقط كانوا يشاهدون الجثث تنقل إلى الخارج يوما بعد يوم حتى وصل عددها إلى سبع عشرة جثة. وفي اليوم الثالث والعشرين توفيت أم السيد ، صاحب البيت الذي يسكنه المستر غروفز ، في بيتها ولما لم يكن من الممكن الحصول على مساعدة أحد لنقلها إلى مدفنها في الخارج قبرت في بيتها من قبل خادمتيها اللتين سرعان ما أتى الموت عليهما من بعدها. ونظرا لعدم وجود أحد له علم بمصيرهما فقد بقيت جثتاهما في مكانهما ، تملأ رائحتهما الجو ، حتى نهبت الدار بعد ذلك بمدة وجيزة وكسرهما بابها فأصبح أمرهما معروفا(١).
__________________
(١) جاء في النص ٣٩ و ٤٠ من كتاب (تذكرة الشعراء أو شعراء بغداد وكتابها في أيام داود باشا) لمؤلفه عبد القادر الخطيبي الشهراباني الذي نشره الأب انستاس الكرملي في ١٩٣٦ م : «.. فوقع الطاعون في بغداد وكثر الموت فما بقي شعور عند الأحياء ـ