إليهم فيسترجعونهم من الطريق بعد أن ييأسوا من عطف الغرباء عليهم. وقد خابت جهودي المخلصة كلها في إيجاد أي نوع من المساعدة المثمرة لنجدة أولئك الصغار الأبرياء ، وكانت أسرتي أيضا ليست في وضع تستطيع فيه تقديم أية مساعدة لهم حتى لو خاطرت بجلب العدوى إلى بيتي».
وفي الرابع والعشرين من الشهر أدى سقوط أحد جدران المقيمية بسبب المياه المترشحة في داخلها إلى قيام المستر غروفز بزيارتها مرة أخرى. فلم يصادف في طريقه إلى هناك ولا نسمة واحدة من الناس في الشوارع ، عدا الذين كانوا يحملون الجثث والأشخاص المصابين بالطاعون الوبيل. وكانت صرر الملابس ، من مخلفات الموتى ، ملقاة بالقرب من كثير من الأبواب. وقد أغلقت ساحة الجامع الكبير ، إذ لم يبق فيها مكان لهم. ولذلك كان الناس يحفرون القبور في جوانب الطرق ، وحتى في الطرق نفسها ، وفي كل بقعة فارغة أخرى. وبينما كان المستر غروفز يتحدث إلى الخادم الوحيد الذي بقي حيا من خدم الكولونيل تايلور في المقيمية تناهى إليه أن عمته ، التي كانت ثامن شخص من أقاربه يصاب بالعدوى ، قد قضت نحبها مثل غيرها. ومات هذا اليوم كذلك بائع مشهور من باعة قطن الأكفان ، بعد أن كان يستغل حلول النكبة ويبيع القطن بأسعار مرتفعة. ولذلك لم يبق في المدينة شيء من هذه السلعة. وارتفع سعر الحبال أيضا إلى أربعة أضعاف سعرها الأصلي. وبدلا من أن تدفن الجثث بموجب مراسيم الدفن المعتادة صارت تلقى حتى جثث الموسرين من الناس على ظهور البغال أو الحمير ثم تؤخذ لتدفن في حفرة من الحفر. ومما يذكره المستر غروفز أنه صادف في طريقه نساء عربيات كن يقمن بإيماءات غريبة تلفت النظر ـ وكأنهن كن يخاطبن بها الله عزوجل متعجبات من بقاء الإفرنج والكفار مثله على قيد الحياة ، بينما كان يموت ذلك العدد الكبير من المسلمين. فكان تأثير ذلك عليه شيئا مرعبا ومؤلما ، خاصة وقد كان في تلك اللحظة محاطا بالموتى وزمجرة الكلاب التي كانت تنهش بالجثث (حتى قبل أن يسلم أصحابها الروح أحيانا إلى بارئها) ، المختلطة بصراخ الأطفال الملقاة في قارعة الطريق ، الأمر الذي كان يتكوّن منه منظر مفزع فظيع لا يمكن أن ينمحي من ذاكرته.