وقد ازداد عدد الوفيات في هذه الأثناء ازديادا ملحوظا. إذ تأيد في اليوم السادس والعشرين من الشهر لدى المسؤولين في السراي بأن عدد الموتى بلغ خمسة آلاف نسمة في يوم واحد ـ ولا شك أن العدد قد ازداد بمقدار أربعة آلاف على ما يبدو ، وكان هذا من مجموع السكان الذي لم يكن يتجاوز في ذلك الوقت الخمسين أو الستين ألفا. لأن ثلث السكان على الأقل كانوا قد غادروا المدينة. ثم ارتفع مستوى الماء ارتفاعا مخيفا كذلك ، فكان توقع ما يمكن أن يؤدي إليه تدفقه إلى المدينة شيئا فظيعا. على أن جميع ما كان يتوقعه الناس بفظاعته قد تجاوز التحقق في اليومين التاليين. ففي تلك الليلة تهدمت كتلة كبيرة من السور فاندفع الماء بكل قوته إلى داخل المدينة ، وغمر محلة اليهود بسرعة ، فتهدمت مئتا دار من دورهم في الحال. وقد سقط كذلك قسم من سور القلعة ، ولم يكن هناك أمل كبير بإمكان بقاء أي بيت أو جدار قائما عند تسرب الماء إليه بالنظر لطبيعة الملاط الذي تبنى به الجدران وقابليته للتفتت. وما حلت الليلة الثانية حتى كان القسم الأسفل من المدينة بأجمعه تحت الماء ، فسقط على ما يقال سبعة آلاف دار مرة واحدة ، دافنة بذلك المرضى والذين كانوا يعانون سكرات الموت والأموات والأصحاء في رمس مشترك. والمقول استنادا إلى مراجع موثوقة أن ما لا يقل عن خمسة عشر ألف شخص ، مريض وغير مريض ، أتى عليهم الماء فأغرقهم بلججه في هذه الحادثة وحدها. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار احتشاد السكان في الأماكن التي كان يمكن الالتجاء إليها من المدينة ، وتعذر الهرب على الناس في الخارج بسبب الطوفان الحاصل ، نجد أن هذا العدد ليس مما لا يمكن تصديقه على كل حال. وقد جاء القليلون الذين نجوا من هذه الكوارث بمخلفات أسرهم المحطمة إلى الدور التي بقيت سالمة في الأجزاء المرتفعة من المدينة وخالية بسبب الهجر أو الطاعون ، وبهذه الوسيلة زودوا الوباء الفتاك الذي كان لا يزال مرابطا في المساكن التي أشغلوها بغذاء جديد. ويعلق المستر غروفز على هذا الحادث بقوله «ليس هناك شيء يمكن أن يعطي فكرة مثيرة حقا عن مقدار تعاسة الأفراد وبؤسهم في هذه الفترة أكثر من مرور هذه الحادثة المخيفة من دون ملاحظة تذكر ، أو جهد يبذل للتفريج عن المصابين بوطأتها ، بينما كانت