حادثة مثل هذه إذا وقعت في أي وقت آخر لا يتردد ذكرها على كل لسان فقط وإنما تبذل أيضا أشد الجهود وأعظمها لمساعدة المتضررين بها».
وقد بلغت صعوبة الحصول على المؤن أشدها في هذه المرحلة. إذ صار الأشخاص المحترمون جدا يدورون على الأبواب ليستجدوا شيئا من أبسط الضروريات اللازمة للعيش. وكذلك ازداد عدد الموتى المتروكين في الشوارع إلى درجة مخيفة. وتعذر وجود الوسائل اللازمة لرفع جثثهم ودفنها. وقد شارك في هذا الوضع الذي وصلت فيه الشدة حدها الأقصى مشاركة تامة عاهل المدينة المبتلاة وسيدها الهمام. إذ أصبح السراي شبيها بمساكن القسم الأعظم من رعاياه ـ أي كومة من الأنقاض يقبع فيها هو نفسه ، وهو على أشد ما يكون من الرعب والحيرة. وقد صرح لخادم من خدام المستر غروفز بأنه كان لا يعرف أين ينام فيضمن سلامة نفسه. حيث إنه كان يخشى في كل ليلة أن يدفن بين أنقاض القسم المتبقي من مسكنه. ولذلك بعث يطلب الزورق الباقي لدى المقيمية لعله يستطيع الهرب به من المدينة ، لكن نوتيته لم يكن قد بقي منهم على قيد الحياة سوى رجل واحد ، وحتى الباشا لم يستطع تأمين الرجال اللازمين لتشغيله. ويقول المستر غروفز في هذا الشأن «إن الخوف منه لم يعد له أثر بين الناس ، ولم يعد لمحبته وجود». فكان حتى في قصره مجردا عن السلطة ، لأن الموت كان يعمل جاهدا فيه كما كان يعمل في أي مكان آخر ، وتضاءلت السلطة التي كانت مطلقة في أيام الحكم البشري حتى أصبحت في حكم العدم تجاه تأثيرات القدرة الإلهية. فمن مجموع المئة گرجي الذين كانوا يقفون في خدمته لم يبق على قيد الحياة سوى أربعة فقط. وجل ما كان يمكن عمله هو أن يرمى الموتى من الشبابيك إلى النهر لئلا تسري عدواهم إلى الأحياء وليحال دون التأثير على نفسيتهم. ثم تهدمت اصطبلات القصر كما تهدم القصر نفسه ، فصارت خيول الباشا جميعها تهيم على وجهها في الشوارع حيث كان بوسع كل أحد أن يقبض عليها ، فبيعت معظمها إلى الأعراب. ولذلك علق المستر غروفز على وضع الباشا يقول «إذا كان الباشا على مثل هذا الحرمان من العون والمساعدة فأي بؤس وشقاء كان لا بد أن يرزح تحتهما الجهمور الأعظم من الناس الذين تركوا ليصارعوا الموت وحدهم».