يصدر أمرا بالتنصيب والخلعة على سبيل الحيلة حتى تسنح فرصة ملائمة لتنفيذ إرادة سيده الأصلية.
وكان داود باشا قد تمتع بالوزارة مدة سبع عشرة سنة (١) ، واستخدم وقته ذلك كله بكد واجتهاد في توطيد سطوته وترسيخ أقدامه. فكان عنده جيش كامل قوامه ثلاثون ألف خيال وراجل ، وكان خمسة أو ستة آلاف منهم على درجة غير يسيرة من الضبط والانتظام ومجهزين بمدفعية فعالة. كما كانت وارداته من الباشوية كثيرة جدا على ما يعرف ، ومع ذلك فإنه خلال هذا الوقت كله لم يقدم إلا القليل منها إلى خزينة السلطان. ولذلك كانت حكومة استانبول بطبيعة الحال تعتبر ان داود باشا كان يتبع خطوات محمد علي باشا في مصر ، ويستهدف جعل نفسه مستقلا عنها. فقررت خلعه ، وأوفدت رسولا يسمى دانش (٢) أفندي ليحاول تنفيذ هذا القرار ، بينما نجحت دسائس علي الذي كان يشغل باشوية حلب يومذاك في أن يحصل لنفسه على الترشيح للشاغر المؤمل حصوله ببغداد.
ومهما كانت الشكوك التي كانت تساور داود باشا ، وضروب التحوط السرية التي اتخذها ، يبدو أنه لم يكن مستعدا تمام الاستعداد للضربة المنتظرة حينما حان أوانها. فقد نجح دانش أفندي في الوصول إلى بغداد ، وكانت الترتيبات التي أعدها للباشا ترتيبات استطاعت تضليله بالنسبة لطبيعة ما كان عنده من تعليمات وأوامر. غير أن القبوجي ، لما كان شاعرا بالخطر الذي كان يكتنف موقفه في بغداد ، ونظرا أنه كان عديم الثقة بأحد كما هو شأن الغدارين جميعهم ، رفض أن تكون إقامته في السراي لاعتقاده بأنه سيصبح تحت رحمة الباشا فيه. ولذلك جعلت إقامته في دار موظف من الموظفين الذين كانوا يتمتعون بثقة الباشا التامة يسمى محمد أفندي ، ويعرف أو يشتهر بلقب «مصرف».
__________________
(١) لقد شغل الوزارة ، أو باشوية بغداد الكبرى ، من عشرين شباط ١٨١٧ م إلى ١٨٣١ م ، أي لمدة خمس عشرة سنة.
(٢) إن معظم المصادر التاريخية تورد اسم (صادق أفندي) وليس (دانش أفندي).